المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (7)

7- ويذكر في المرة الخامسة أنه يستحق الطرد من رحمة الله إن كان من الكاذبين في ذلك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وَالّذِينَ يَرْمُونَ من الرجال أزْوَاجَهُمْ بالفاحشة ، فيقذفونهنّ بالزنا ، ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ يشهدون لهم بصحة ما رموهنّ به من الفاحشة ، فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ باللّهِ إنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة : «أرْبَعَ شَهاداتٍ » نصبا ، ولنصبهم ذلك وجهان : أحدهما : أن تكون الشهادة في قوله : فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ مرفوعة بمضمر قبلها ، وتكون «الأربع » منصوبا بمعنى الشهادة ، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ : فعلى أحدهم أن يشهد أربعَ شهادات بالله . والوجه الثاني : أن تكون الشهادة مرفوعة بقوله : إنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ و «الأربع » منصوبة بوقوع الشهادة عليها ، كما يقال : شهادتي ألف مرّة إنك لرجل سَوْء وذلك أن العرب ترفع الأيمان بأجوبتها ، فتقول : حَلِفٌ صادق لأقومنّ ، وشهادة عمرو ليقعدنّ . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين : أرْبَعُ شَهاداتٍ برفع «الأربع » ، ويجعلونها للشهادة مرافِعة ، وكأنهم وجهوا تأويل الكلام : فالذي يلزم من الشهادة ، أربعُ شهادات بالله إنه لمن الصادقين .

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ : «فشهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعَ شَهاداتٍ باللّهِ إنّهُ لَمنَ الصّادِقِينَ » بنصب أربع ، بوقوع «الشهادة » عليها ، و «الشهادة » مرفوعة حينئذٍ على ما وصفت من الوجهين قبل وأحبّ وجهيهما إليّ أن تكون به مرفوعة بالجواب ، وذلك قوله : إنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ وذلك أن معنى الكلام : والذين يرمون أزواجهم ، ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم ، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، تقوم مقام الشهداء الأربعة في دفع الحدّ عنه . فترك ذكر تقوم مقام الشهداء الأربعة ، أكتفاء بمعرفة السامعين بما ذُكِر من الكلام ، فصار مُرافِع «الشهادة » ما وصفت . ويعني بقوله : فَشَهادَةُ أحَدِهمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ باللّهِ : فحلف أحدهم أربع أيمان بالله ، من قول القائل : أشهد بالله إنه لمن الصادقين فيما رَمَى زوجته به من الفاحشة ، والخامِسَة يقول : والشهادة الخامسة ، أن لعنة الله عليه يقول : إن لعنة الله له واجبة وعليه حالّة ، إن كان فيما رماها به من الفاحشة من الكاذبين .

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الاَثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت به جماعة من أهل التأويل . ذكر الرواية بذلك ، وذكر السبب الذي فيه أُنزلت هذه الآية : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا أيوب ، عن عكرِمة ، قال : لما نزلت وَالّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً قال سعد بن عبادة : الله إن أنا رأيت لَكَاعِ متفخذَها رجل فقلت بما رأيت إن في ظهري لثمانين إلى ما أجمع أربعة ؟ قد ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، ألا تَسْمَعونَ إلى ما يَقولُ سَيّدُكُمْ ؟ » . قالوا : يا رسول الله لا تَلُمْه وذكروا من غَيرته فما تزوّج امرأة قطّ إلا بكرا ، ولا طلق امرأة قطّ فرجع فيها أحد منا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فإنّ اللّهَ يَأبَى إلاّ ذَاكَ » فقال : لا والله ، لا يَجْعَل في ظهري ثمانين أبدا ، لقد نظرت حتى أيقنت ، ولقد استسمعت حتى استشفيت قال : فأنزل الله القرآن باللّعان ، فقيل له : احلف فحلف ، قال : «قِفُوهُ عِنْدَ الخَامِسَةِ ، فإنّها مُوجِبَةٌ » . فقال : لا يُدْخله الله النار بهذا أبدا ، كما درأ عنه جلد ثمانين ، لقد نظرت حتى أيقنت ، ولقد استسمعت حتى استشفيت فحلف ثم قيل : احلفي فحلفت ثم قال : «قِقُوهَا عِنْدَ الخَامِسَةِ ، فإنّها مُوجِبَةٌ » . فقيل لها : إنها مُوجِبة ، فتلكأت ساعة ، ثم قالت : لا أُخْزِي قومي ، فحلفت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وكَذَا فَهُوَ لِزَوْجِها ، وَإنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وكَذَا فَهُوَ للّذِي قِيلَ فيهِ ما قيلَ » . قال : فجاءت به غلاما كأنه جمل أورق ، فكان بعد أميرا بمصر ، لا يُعرف نَسَبُه ، أو لا يُدْرَى من أبوه .

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا عباد ، قال : سمعت عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية : وَالّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاء فاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا وأُولَئِكَ هُمُ الفاسقُونَ قال سعد بن عبادة : لهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ لو أتيت لَكاعِ قد تفخّذها رجل ، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحرّكه حتى آتيَ بأربعة شهداء ؟ فوالله ما كنت لاَتيَ بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ ، أما تَسْمَعُونَ إلى ما يَقُولُ سَيّدُكُمْ ؟ » قالوا : لا تلُمه فإنه رجل غَيُور ، ما تزوّج فينا قطّ إلاّ عذراء ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوّجها قال سعد : يا رسول الله ، بأبي وأمي ، والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حقّ ، ولكن عجبت لو وجدت لَكَاعِ قد تفخذها رجل بم يكن لي أن أهيجه ولا أحرّكه حتى آتيَ بأربعة شهداء والله لا آتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته فوالله ما لبثوا إلاّ يسيرا حتى جاء هلالُ بن أمية من حديقة له ، فرأى بعينيه ، وسمع بأذنيه ، فأمسك حتى أصبح . فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس مع أصحابه ، فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عِشاء ، فوجدت رجلاً مع أهلي ، رأيت بعيني وسمعت بأذني . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل عليه جدّا ، حتى عُرف ذلك في وجهه ، فقال هلال : والله يا رسول الله إني لأرى الكراهة في وجهك مما أتيتك به ، والله يعلم أني صادق ، وما قلت إلاّ حقّا ، فإني لأرجو أن يجعل الله فرجا . قال : واجتمعت الأنصار ، فقالوا : ابتلينا بما قال سعد ، أيُجْلَد هلال بن أميّة وتبطلَ شهادته في المسلمين ؟ فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربه ، فإنه لكذلك يريد أن يأمر بضربه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه ، إذ نزل عليه الوحي ، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل ، حتى فرغ ، فأنزل الله : وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ . . . إلى : أنّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إنْ كانَ مِنَ الصّادِقينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أبْشِرْ يا هِلالُ ، فإنّ اللّهَ قَدْ جَعَلَ فَرَجا » فقال : قد كنت أرجو ذلك من الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أرْسِلُوا إلَيْها » فجاءت ، فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها ، فكذّبت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ يَعْلَمُ أنّ أحَدَكما كاذِبٌ ، فَهَلْ مِنْكُما تائِبٌ ؟ » فقال هلال : يا رسول الله ، بأبي وأمي لقد صَدَقْتُ وما قلتُ إلاّ حقّا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاعِنُوا بَيْنَهُما » قيل لهلال : يا هلال اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فقيل له عند الخامسة : يا هلال اتق الله ، فإن عذاب الله أشدّ من عذاب الناس ، وإنها الموجبة التي توجب عليك العذاب . فقال هلال : والله لا يعذّبني الله عليها كما لم يجلدني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد الخامسة : أنّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ إنْ كانَ مِنَ الكاذِبِينَ ثم قيل لها : اشهدي فشهدت أربعَ شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فقيل لها عند الخامسة : اتقي الله ، فإن عذاب الله أشدّ من عذاب الناس ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فتلكّأت ساعة ، ثم قالت : والله لا أفضَح قومي ، فشهدت الخامسة : أنّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ ففرّق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقضى أن الولد لها ، ولا يُدْعَى لأب ، ولا يُرْمَى ولدها .

حدثني أحمد بن محمد الطّوسي ، قال : حدثنا أبو أحمد الحسين بن محمد ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : لمّا قَذف هلال بن أميّة امرأته ، قيل له : والله ليجلدنّك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين جلدة قال : الله أعدل من ذلك أن يضربني ضربة وقد علم أني قد رأيت حتى استيقنت وسمعت حتى استثبتّ ، لا والله لا يضربني أبدا فنزلت آية الملاعنة ، فدعا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت الآية ، فقال : «الله يَعْلَمُ أنّ أحَدَكُما كَاذِبٌ ، فهَلْ منكما تَائِبٌ ؟ » فقال هلال : والله إني لصادق . فقال له : «احْلفْ باللّهِ الّذِي لا إلَهَ إلاّ هُوَ : إنّي لَصَادِقٌ » يقول ذلك أربع مرّات «فإن كنتُ كاذبا فعليّ لعنةُ الله » . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قِفُوهُ عِنْدَ الخامِسَةِ ، فإنّها مُوجِبَةٌ » فحلف . ثم قالت أربعا : والله الذي لا إله إلاّ هو إنه لمن الكاذبين ، فإن كان صادقا فعليها غضب الله . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قفُوها عنْدَ الخامِسَةِ ، فإنّها مُوجِبَةٌ » فتردّدت وهمّت بالاعتراف ، ثم قالت لا أفضَح قومي » .

حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفاعيّ ، قالا : حدثنا عَبْدة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : كنا ليلة الجمعة في المسجد ، فدخل رجل فقال : لو أن رجلاً وجَد مع امرأته رجلاً فقتله قتلتموه ، وإن تكلم جلدتموه فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله آية اللّعان . ثم جاء الرجل بعد ، فقذف امرأته ، فلاعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، فقال : «عَسَى أنْ تَجيءَ بِهِ أسْوَدَ جَعْدا » . فجاءت به أسود جَعْدا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جُبير قال : سألت ابن عمر ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، أَيُفَرّق بين المتلاعنين ؟ فقال : نعم ، سبحان الله إن أوّل من سأل عن ذلك فلان ، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله ، فقال : أرأيت لو أن أحدنا رأى صاحبته على فاحشة ، كيف يصنع ؟ فلم يجبه في ذلك شيئا . قال : فأتاه بعد ذلك فقال : إن الذي سألتُ عنه قد ابتليتُ به . فأنزل الله هذه الآية في سورة النور ، فدعا الرجلَ فوعظه وذكّره ، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاَخرة قال : والذي بعثك بالحقّ ، لقد رأيتُ وما كذبت عليها قال : ودعا المرأة فوعظها ، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الاَخرة ، فقالت : والذي بعثك بالحقّ إنه لكاذب ، وما رأى شيئا قال : فبدأ الرجل ، فشهد أربع شهادات بالله : إنه لمن الصادقين ، والخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم إن المرأة شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أنّ غَضَبَ الله عليها إن كان من الصادقين . وفرّق بينهما .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن عامر ، قال : لما أنزل : وَالّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً قال عاصم بن عديّ : إن أنا رأيت فتكلّمت جُلدت ثمانين ، وإن أنا سكت سكت على الغيظ قال : فكأنّ ذلك شقّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأنزلت هذه الآية : وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أَنْفُسُهُمْ قال : فما لبثوا إلاّ جمعة ، حتى كان بين رجل من قومه وبين امرأته ، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ . . . الآية ، والخامسة : أن يقال له : إن عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين . وإن أقرّت المرأة بقوله رُجمِت ، وإن أنكرت شهدت أربع شهادات بالله : إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن يقال لها : غضب الله عليك إن كان من الصادقين فُيْدرأ عنها العذاب ، ويُفَرّق بينهما ، فلا يجتمعان أبدا ، ويُلحق الولد بأمه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عكرِمة ، قوله : وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ قال : هلال بن أميّة ، والذي رُمِيَتْ به شريك بن سحماء ، والذي استفتى عاصم ابن عديّ .

قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : أخبرني الزهريّ عن الملاعنة والسنة فيها ، عن حديث سهل بن سعد : أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : أرأيتَ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً ، أيقتله فتقتلونه ؟ أم كيف يفعل ؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر من أمر المتلاعنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قَدْ قَضَى اللّهُ فِيكَ وَفِي امْرأتكَ » فتلاعنا وأنا شاهد . ثم فارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت السنة بعدها أن يُفَرّق بين المتلاعنين . وكانت حاملة ، فأنكره ، فكان ابنها يُدعى إلى أمه ، ثم جرت السنة أن ابنها يَرِثها وترث ما فرض الله لها .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ . . . إلى قوله : إنْ كانَ مِنَ الكاذِبينَ قال : إذا شهد الرجل خمس شهادات ، فقد برىء كل واحد من الاَخر ، وعِدّتُها إن كانت حاملاً أن تضع حملها ، ولا يجْلد واحد منهما وإن لم تحلف أقيم عليها الحدّ والرجْم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (7)

{ والخامسة } والشهادة الخامسة . { أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين } في الرمي هذا لعان الرجل وحكمه سقوط حد القذف عنه ، وحصول الفرقة بينهما بنفسه فرقة فسخ عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام " المتلاعنان لا يجتمعان أبدا " . وتفريق الحاكم فرقة طلاق عند أبي حنيفة ونفي الولد أن تعرض له فيه وثبوت حد الزنا على المرأة لقوله : { ويدرأ عنها العذاب } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (7)

أما قوله : { والخامسة } أي فالشهادة الخامسة ، أي المكملة عدد خمس للأربع التي قبلها . وأنث اسم العدد لأنه صفة لمحذوف دل عليه قوله { فشهادة أحدهم } والتقدير : والشهادة الخامسة . وليس لها مقابل في عدد شهود الزنى . فلعل حكمة زيادة هذه اليمين مع الأيمان الأربع القائمة مقام الشهود الأربعة أنها لتقوية الأيمان الأربع باستذكار ما يترتب على أيمانه إن كانت غموساً من الحرمان من رحمة الله تعالى .

وهذا هو وجه كونها مخالفة في صيغتها لصيغ الشهادات الأربع التي تقدمتها . وفي ذلك إيماء إلى أن الأربع هي المجعولة بدلاً عن الشهود وأن هذه الخامسة تذييل للشهادة وتغليظ لها .

وقرأ الجمهور : { والخامسةُ أن غضب الله عليها } بالرفع كقوله : { والخامسة أن لعنت الله عليه } وهو من عطف الجمل . وقرأه حفص عن عاصم بالنصب عطفاً على { أربع شهادات } الثاني وهو من عطف المفردات .

وقرأ الجمهور : { أنّ لعنة الله عليه } و { أنّ غضب الله عليها } بتشديد نون ( أنّ ) وبلفظ المصدر في { أنّ غضب الله } وجر اسم الجلالة بإضافة ( غضب ) إليه . ويتعين على هذه القراءة أن تقدر باء الجر داخلة على { أن } في الموضعين متعلقة ب { الخامسة } لأنها صفة لموصوف تقديره : والشهادة الخامسة ، ليتجه فتح همزة ( أنّ ) فيهما . والمعنى : أن يشهد الرجل أو تشهد المرأة بأن لعنة الله أو بأن غضب الله ، أي بما يطابق هذه الجملة .

وقرأ نافع بتخفيف نون ( أنْ ) في الموضعين و { غضِب الله } بصيغة فعل المضي ، ورفْع اسم الجلالة الذي بعد { غضِب } . وخرجت قراءته على جعل ( أن ) مخففة من الثقيلة مهملة العمل واسمها ضمير الشأن محذوف أي تهويلاً لشأن الشهادة الخامسة . ورد بما تقرر من عدم خلو جملة خبر ( أن ) المخففة من أحد أربعة أشياء : قد ، وحرف النفي ، وحرف التنفيس ، ولولا . والذي أرى أن تجعل ( أن ) على قراءة نافع تفسيرية لأن الخامسة يمين ففيها معنى القول دون حروفه فيناسبها التفسير .

وقرأ يعقوب { أنْ لعنة الله } بتخفيف ( أن ) ورفع { لعنةُ } وجر اسم الجلالة مثل قراءة نافع . وقرأ وحده { أن غضبُ الله عليها } بتخفيف ( أن ) وفتح ضاد { غضب } ورفع الباء على أنه مصدر ويجر اسم الجلالة بالإضافة .

وعلى كل القراءات لا يذكر المتلاعنان في الخامسة من يمين اللعان لفظ ( أن ) فإنه لم يرد في وصف أيمان اللعان في كتب الفقه وكتب السنة .

والقول في صيغة الخامسة مثل القول في صيغ الأيمان الأربع . وعين له في الدعاء خصوص اللعنة لأنه وإن كان كاذباً فقد عرض بامرأته للعنة الناس ونبذ الأزواج إياها فناسب أن يكون جزاؤه اللعنة .

واللعنة واللعن : الإبعاد بتحقير . وقد تقدم في قوله : { وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين } في سورة الحجر ( 35 ) .

واعلم أن الزوج إن سمى رجلاً معيناً زنى بامرأته صار قاذفاً له زيادة على قذفه المرأة ، وأنه إذا لاعن وأتم اللعان سقط عنه حد القذف للمرأة وهو ظاهر ويبقى النظر في قذفه ذلك الرجل الذي نسب إليه الزنى . وقد اختلف الأيمة في سقوط حد القذف للرجل فقال الشافعي : يسقط عنه حد القذف للرجل لأن الله تعالى لم يذكر إلا حداً واحداً ولأنه لم يثبت بالسنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام حد الفرية على عويمر العجلاني ولا على هلال بن أمية بعد اللعان .

وقال مالك وأبو حنيفة : يُسقط اللعان حد الملاعن لقذف امرأته ولا يسقط حد القذف لرجل سماه ، والحجة لهما بأن الله شرع حد القذف .

ولما كانت هذه الأيمان مقتضية صدق دعوى الزوج على المرأة كان من أثر ذلك أن تعتبر المرأة زانية أو أن يكون حملها ليس منه فهو من زنى لأنها في عصمة فكان ذلك مقتضياً أن يقام عليها حد الزنى ، فلم تهمل الشريعة حق المرأة ولم تجعلها مأخوذة بأيمان قد يكون حالفها كاذباً فيها لأنه يتهم بالكذب لتبرئة نفسه فجعل للزوجة معارضة أيمان زوجها كما جعل للمشهود عليه الطعن في الشهادة بالتجريح أو المعارضة فقال تعالى : { ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } الآية . وإذ قد كانت أيمان المرأة لرد أيْمان الرجل ، وكانت أيمان الرجل بدلاً من الشهادة وسميت شهادة ، كانت أيْمان المرأة لردها يناسب أن تسمى شهادة ؛ ولأنها كالشهادة المعارضة ، ولكونها بمنزلة المعارضة كانت أيْمان المرأة كلها على إبطال دعواه لا على إثبات براءتها أو صدقها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (7)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 6]

يقول تعالى ذكره: "وَالّذِينَ يَرْمُونَ "من الرجال "أزْوَاجَهُمْ "بالفاحشة، فيقذفونهنّ بالزنا، "ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ" يشهدون لهم بصحة ما رموهنّ به من الفاحشة، "فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ باللّهِ إنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ".

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: «أرْبَعَ شَهاداتٍ» نصبا، ولنصبهم ذلك وجهان:

أحدهما: أن تكون الشهادة في قوله: "فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ" مرفوعة بمضمر قبلها، وتكون «الأربع» منصوبا بمعنى الشهادة، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: فعلى أحدهم أن يشهد أربعَ شهادات بالله.

والوجه الثاني: أن تكون الشهادة مرفوعة بقوله: "إنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ" و «الأربع» منصوبة بوقوع الشهادة عليها، كما يقال: شهادتي ألف مرّة إنك لرجل سَوْء، وذلك أن العرب ترفع الأيمان بأجوبتها، فتقول: حَلِفٌ صادق لأقومنّ، وشهادة عمرو ليقعدنّ.

وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين: "أرْبَعُ شَهاداتٍ" برفع «الأربع»، ويجعلونها للشهادة مرافِعة، وكأنهم وجهوا تأويل الكلام: فالذي يلزم من الشهادة، أربعُ شهادات بالله إنه لمن الصادقين.

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ: «فشهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعَ شَهاداتٍ باللّهِ إنّهُ لَمنَ الصّادِقِينَ» بنصب أربع، بوقوع «الشهادة» عليها، و «الشهادة» مرفوعة حينئذٍ على ما وصفت من الوجهين قبل وأحبّ وجهيهما إليّ أن تكون به مرفوعة بالجواب، وذلك قوله: "إنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ" وذلك أن معنى الكلام: والذين يرمون أزواجهم، ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، تقوم مقام الشهداء الأربعة في دفع الحدّ عنه، فترك ذكر تقوم مقام الشهداء الأربعة، أكتفاء بمعرفة السامعين بما ذُكِر من الكلام، فصار مُرافِع «الشهادة» ما وصفت.

ويعني بقوله: "فَشَهادَةُ أحَدِهمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ باللّهِ": فحلف أحدهم أربع أيمان بالله، من قول القائل: أشهد بالله إنه لمن الصادقين فيما رَمَى زوجته به من الفاحشة، "والخامِسَة" يقول: والشهادة الخامسة، أن لعنة الله عليه يقول: إن لعنة الله له واجبة وعليه حالّة، إن كان فيما رماها به من الفاحشة من الكاذبين...

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: حدثنا أيوب، عن عكرِمة، قال: لما نزلت "وَالّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً" قال سعد بن عبادة: الله إن أنا رأيت لَكَاعِ متفخذَها رجل فقلت بما رأيت إن في ظهري لثمانين، إلى ما أجمع أربعة، قد ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، ألا تَسْمَعونَ إلى ما يَقولُ سَيّدُكُمْ؟». قالوا: يا رسول الله لا تَلُمْه وذكروا من غَيرته فما تزوّج امرأة قطّ إلا بكرا، ولا طلق امرأة قطّ فرجع فيها أحد منا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإنّ اللّهَ يَأبَى إلاّ ذَاكَ» فقال: صدق الله ورسوله. قال: فلم يلبثوا أن جاء ابن عمّ له فرمى امرأته، فشق ذلك على المسلمين، فقال: لا والله، لا يجعل في ظهري ثمانين أبدا، لقد نظرت حتى أيقنت، ولقد استسمعت حتى استشفيت، قال: فأنزل الله القرآن باللعان، فقيل له: احلف! فحلف، قال: قفوه عند الخامسة، فإنها موجبة، فقال: لا يدخله الله النار بهذا أبدا، كما درأ عنه جلد ثمانين، لقد نظرت حتى أيقنت، ولقد استسمعت حتى استشفيت فحلف، ثم قيل: احلفي، فحلفت، ثم قال: قفوها عند الخامسة، فإنها مُوجِبة، فقيل لها: إنها مُوجبة، فتلكأت ساعة، ثم قالت: لا أُخْزي قومي، فحلفت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِزَوْجها، وإنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ للَّذِي قِيلَ فِيهِ ما قِيلَ، قال: فجاءت به غلاما كأنه جمل أورق، فكان بعد أميرا بمصر لا يُعرف نسبه، أو لا يُدْرَى من أبوه"...

عن ابن عباس، قوله: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ"... الآية. والخامسة: أن يقال له: إن عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين. وإن أقرّت المرأة بقوله رُجمت، وإن أنكرت شهدت أربع شهادات بالله: إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن يقال لها: غضب الله عليك إن كان من الصادقين، فيدرأ عنها العذاب، ويفرق بينهما، فلا يجتمعان أبدا، ويُلحق الولد بأمه. يعني جلّ ذكره بقوله: "وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ": ويدفع عنها الحدّ.

واختلف أهل العلم في العذاب الذي عناه الله في هذا الموضع أنه يدرأه عنها شهاداتها الأربع؛ فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك، من أن الحدّ جلد مئة إن كانت بكرا، أو الرجم إن كانت ثيبا قد أحصنت.

وقال آخرون: بل ذلك الحبس، وقالوا: الذي يجب عليها إن هي لم تشهد الشهادات الأربع بعد شهادات الزوج الأربع، والتعانه: الحبس دون الحدّ.

وإنما قلنا: الواجب عليها إذا هي امتنعت من الالتعان بعد التعان الزوج الحدّ الذي وصفنا، قياسا على إجماع الجميع على أن الحدّ إذا زال عن الزوج بالشهادات الأربع على تصديقه فيما رماها به، أن الحدّ عليها واجب، فجعل الله أيمانه الأربع، والتعانه في الخامسة مخرجا له من الحدّ الذي يجب لها برميه إياها، كما جعل الشهداء الأربعة مخرجا له منه في ذلك وزائلا به عنه الحدّ، فكذلك الواجب أن يكون بزوال الحدّ عنه بذلك واجبا عليها حدّها، كما كان بزواله عنه بالشهود واجبا عليها، لا فرق بين ذلك...

وقوله: "أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ" يقول: ويدفع عنها العذاب أن تحلف بالله أربع أيمان: أن زوجها الذي رماها بما رماها به من الفاحشة، لمن الكاذبين فيما رماها من الزنا.

وقوله: "وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا..."، يقول: والشهادة الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان زوجها فيما رماها به من الزنا من الصادقين...

{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ" يقول تعالى ذكره: ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته بكم، وأنه عَوّاد على خلقه بلطفه وطوله، حكيم في تدبيره إياهم، وسياسته لهم، لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم وفضح أهل الذنوب منكم بذنوبهم، ولكنه ستر عليكم ذنوبكم وترك فضيحتكم بها عاجلا رحمة منه بكم، وتفضلا عليكم، فاشكروا نعمه وانتهوا عن التقدّم عما عنه نهاكم من معاصيه، وترك الجواب في ذلك، اكتفاء بمعرفة السامع المراد منه.

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 6]

قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} إلى آخر القصة. قال أبو بكر: كان حَدُّ قاذف الأجنبيات والزوجات الجَلْد، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء:"ائْتِنِي بأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ وإِلاّ فَحَدٌّ في ظَهْرِكَ"، وقال الأنصار: أيجلد هلال بن أمية وتبطل شهادته في المسلمين! فثبت بذلك أن حدّ قاذف الزوجات كان كحدِّ قاذف الأجنبيات وأنه نسخ عن الأزواج الجلد باللعان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهلال بن أمية حين نزلت آية اللعان: "ائْتِنِي بِصَاحِبَتِكَ فَقَدْ أَنْزَلَ الله فِيكَ وفيها قُرْآناً "ولاعن بينهما.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 6]

لما نزلت الآية المتقدمة في {الذين يرمون} [النور: 4] تناول ظاهرها الأَزواج وغيرهن، فقال سعد بن عبادة يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة والله لأضربنه بالسيف غير مصفح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني».

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 6]

اعلم أنه إذا رمى الرجل امرأته بالزنا يجب عليه الحد إن كانت محصنة والتعزير إن لم تكن محصنة، كما في رمي الأجنبية لا يختلف موجبهما غير أنهما يختلفان في المخلص ففي قذف الأجنبي لا يسقط الحد عن القاذف إلا بإقرار المقذوف أو ببينة تقوم على زناها، وفي قذف الزوجة يسقط عنه الحد بأحد هذين الأمرين أو باللعان، وإنما اعتبر الشرع اللعان في هذه الصورة دون الأجنبيات لوجهين:

الأول: أنه لا معرة عليه في زنا الأجنبية والأولى له ستره، أما إذا زنى بزوجته فيلحقه العار والنسب الفاسد، فلا يمكنه الصبر عليه وتوقيفه على البينة كالمعتذر، فلا جرم خص الشرع هذه الصورة باللعان.

الثاني: أن الغالب في المتعارف من أحوال الرجل مع امرأته أنه لا يقصدها بالقذف إلا عن حقيقة، فإذا رماها فنفس الرمي يشهد بكونه صادقا إلا أن شهادة الحال ليست بكاملة فضم إليها ما يقويها من الإيمان، كشهادة المرأة لما ضعفت قويت بزيادة العدد والشاهد الواحد يتقوى باليمين على قول كثير من الفقهاء.

...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 6]

هذه الآية الكريمة فيها فَرَج للأزواج وزيادة مخرج، إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة البينة، أن يلاعنها، كما أمر الله عز وجل وهو أن يحضرها إلى الإمام، فيدعي عليها بما رماها به، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء، {إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} أي: فيما رماها به من الزنى، {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والشهادة الخامسة. وليس لها مقابل في عدد شهود الزنى. فلعل حكمة زيادة هذه اليمين مع الأيمان الأربع القائمة مقام الشهود الأربعة أنها لتقوية الأيمان الأربع باستذكار ما يترتب على أيمانه إن كانت غموساً من الحرمان من رحمة الله تعالى.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

...ولم يكتفِ التشريع بذلك، فقد يسهل على البعض أن يحلف بالله كذباً، بل أراد لمن يتهم زوجته بالزنى أن يشهد شهادةً خامسة تختلف في الإيحاء القويّ الرادع عن تلك الشهادات، وذلك بأن يوجّه لنفسه لعنة الله إذا كان كاذباً...