ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد ، فقد كانت هناك مفاجآت وبشارات أخرى تحققت معها رؤيا يوسف وهو صغير ، كما تحقق معها تأويل يعقوب لها فقد هاجر يعقوب ببنيه وأهله إلى مصر للقاء ابنه يوسف ، وهناك اجتمع شملهم واستمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى ذلك في نهاية القصة فيقول :
{ فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ . . . } .
وقوله - سبحانه - { فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ . . . } معطوف على كلام محذوف والتقدير :
استجاب إخوة يوسف لقوله لهم : { اذهبوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } فأتوا بأهلهم أجمعين ، حيث رحلوا جميعاً من بلادهم إلى مصر ومعهم أبوهم ، فلما وصلوا إليها ودخلوا على يوسف ، ضم إليه أبويه وعانقهما عناقاً حاراًَ .
وقال للجميع { دَخَلُواْ } بلاد { مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ } من الجوع والخوف .
وقد ذكر المفسرون هنا كلاماً يدل على أن يوسف - عليه السلام - وحاشيته ووجهاء مصر ، عندما بلغهم قدوم يعقوب بأسرته إلى مصر ، خرجوا جميعاً لاستقبالهم كما ذكروا أن المراد بأبويه : أبوه وخالته ، لأن أمه ماتت وهو صغير .
إلا أن ابن كثير قال : " قال محمد بن إسحاق وابن جرير : كان أبوه وأمه يعيشان ، وأنه لم يقم دليل على موت أمه ، وظاهر القرآن يدل على حياتها " .
ثم قال : " وهذا الذي ذكره ابن جرير ، هو الذي يدل عليه السياق " .
والمراد بدخول مصر : الاستقرار بها ، والسكن في ربوعها .
قالوا : وكان عدد أفراد أسرة يعقوب الذين حضروا معه ليقيموا في مصر ما بين الثمانين والتسعين .
{ فلما دخلوا على يوسف } روي أنه وجه إليه رواحل وأموالا ليتجهز إليه بمن معه ، استقبله يوسف والملك بأهل مصر وكان أولاده الذين دخلوا معه مصر اثنين وسبعين رجلا وامرأة ، وكانوا حين خرجوا مع موسى عليه الصلاة والسلام ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة سبعين رجلا سوى الذرية والهرمى . { آوى إليه أبويه } ضم إليه أباه وخالته واعتنقهما نزلها منزلة الأم تنزيل العم منزلة الأب في قوله تعالى : { وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } أو لأن يعقوب عليه الصلاة والسلام تزوجها بعد أمه والربة تدعى أما { وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } من القحط وأصناف المكاره ، والمشيئة متعلقة بالدخول المكيف بالمن والدخول الأول كان في موضع خارج البلد حين استقبلهم .
طوى ذكر سفرهم من بلادهم إلى دخولهم على يوسف عليه السلام إذ ليس فيه من العبر شيء .
وأبواه أحدهما يعقوب عليه السلام وأما الآخر فالصحيح أن أم يوسف عليه السلام وهي ( راحيل ) توفيت قبل ذلك حين ولدت بنيامين ، ولذلك قال جمهور المفسّرين : أطلق الأبوان على الأب زوج الأب وهي ( ليئة ) خالة يوسف عليه السلام وهي التي تولت تربيته على طريقة التغليب والتنزيل .
وإعادة اسم يوسف عليه السلام لأجل بعد المعاد .
وقوله : { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } جملة دعائية بقرينة قوله : { إن شاء الله } لكونهم قد دخلوا مصر حينئذٍ . فالأمر في { ادخلوا } للدعاء كالذي في قوله تعالى : { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم } [ الأعراف : 49 ] .
والمقصود : تقييد الدخول بآمنين } وهو مناط الدعاء .
والأمنُ : حالة اطمئنان النفس وراحة البال وانتفاء الخوف من كل ما يخاف منه ، وهو يجمع جميع الأحوال الصالحة للإنسان من الصحة والرزق ونحو ذلك . ولذلك قالوا في دعوة إبراهيم عليه السلام { ربّ اجعل هذا البلد آمناً } إنه جمع في هذه الجملة جميع ما يطلب لخير البلد .
وجملة { إن شاء الله } تأدب مع الله كالاحتراس في الدعاء الوارد بصيغة الأمر وهو لمجرد التيمّن ، فوقوعه في الوعد والعزم والدعاءِ بمنزلة وقوع التسمية في أول الكلام وليس هو من الاستثناء الوارد النهي عنه في الحديث : أن لا يقول اغفر لي إن شئت ، فإنه لا مُكره له لأن ذلك في الدعاء المخاطب به الله صراحة . وجملة { إن شاء الله } معترضة بين جملة { ادخلوا } والحال من ضميرها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.