وقوله : { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } أى : وأنه - تعالى - بقدرته وحدها ، هو الذى أحيا من يريد إحياءه من مخلوقاته ، وأمات من يريد إماتته منهم .
وهذا رد على أولئك الجاهلين الذين أنكروا ذلك ، وقالوا - كما حكى القرآن عنهم - { . . . مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر . . . }
{ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } ، كقوله : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاة } [ الملك : 2 ] ، { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى . مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } ، كقوله : { أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى . أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى . فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى . أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } [ القيامة : 36 - 40 ] . {[27716]} .
انتقل من الاعتبار بانفراد الله بالقدرة على إيجاد أسباب المسرة والحزن وهما حالتان لا تخلو عن إحداهما نفس الإِنسان إلى العبرة بانفراده تعالى بالقدرة على الإِحياء والإِماتة ، وهما حالتان لا يخلو الإِنسان عن إحداهما فإن الإِنسان أول وجوده نطفة ميتة ثم علقة ثم مضغة { قطعة ميتة وإن كانت فيها مادة الحياة إلا أنها لم تبرز مظاهر الحياة فيها } ثم ينفخ فيه الروح فيصير إلى حياة وذلك بتدبير الله تعالى وقدرته .
ولعل المقصود هو العبرة بالإِماتة لأنها أوضح عبرة وللرد عليهم قولهم : { وما يهلكنا إلا الدهر } [ الجاثية : 24 ] ، وأن عطف { وأحيا تتميم واحتراس كما في قوله : { الذي خلق الموت والحياة } [ الملك : 2 ] . ولذلك قدم { أمات على أحيا } مع الرعاية على الفاصلة كما تقدم في { أضحك وأبكى } [ النجم : 43 ] .
وموقع الجملة كموقع جملة { وأن سعيه سوف يرى } [ النجم : 40 ] . فإن كان مضمونها مما شملته صحف إبراهيم كان المحكي بها من كلام إبراهيم ما حكاه الله عنه بقوله : { والذي يميتني ثم يحيين } [ الشعراء : 81 ] .
وفعلا { أمات وأحيا } منزلان منزلة اللازم كما تقدم في قوله : { وأنه هو أضحك وأبكى } [ النجم : 43 ] إظهاراً لبديع القدرة على هذا الصنع الحكيم مع التعريض بالاستدلال على كيفية البعث وإمكانه حيث أحاله المشركون ، وشاهدُه في خلق أنفسهم .
وضمير الفصل للقصر على نحو قوله : { وأنه هو أضحك وأبكى } [ النجم : 43 ] رداً على أهل الجاهلية الذين يسندون الإِحياء والإِماتة إلى الدهر فقالوا { وما يهلكنا إلا الدهر } [ الجاثية : 24 ] . فليس المراد الحياة الآخرة لأن المتحدث عنهم لا يؤمنون بها ، ولأنها مستقبلة والمتحدث عنه ماض .
وفي هذه الآية محسن الطباق أيضاً لما بين الحياة والموت من التضاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.