مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَمَاتَ وَأَحۡيَا} (44)

ثم قال تعالى : { وأنه هو أمات وأحيا } والبحث فيه كما في الضحك والبكاء ، غير أن الله تعالى في الأول بين خاصة النوع الذي هو أخص من الجنس ، فإنه أظهر وعن التعليل أبعد ثم عطف عليه ما هو أعم منه ودونه في البعد عن التعليل وهي الإماتة والإحياء وهما صفتان متضادتان أي الموت والحياة كالضحك والبكاء والموت على هذا ليس بمجرد العدم وإلا لكان الممتنع ميتا ، وكيفما كان فالإماتة والإحياء أمر وجودي وهما من خواص الحيوان ، ويقول الطبيعي في الحياة لاعتدال المزاج ، والمزاج من أركان متضادة هي النار والهواء والماء والتراب وهي متداعية إلى الانفكاك ومالا تركيب فيه من المتضادات لا موت له ، لأن المتضادات كل أحد يطلب مفارقة مجاوره ، فقال تعالى : الذي خلق ومزج العناصر وحفظها مدة قادر على أن يحفظها أكثر من ذلك فإذا مات فليس عن ضرورة فهو بفعل فاعل مختار وهو الله تعالى : ( فهو الذي أمات وأحيا ) فإن قيل : متى أمات وأحيا حتى يعلم ذلك بل مشاهدة الإحياء والإماتة بناء على الحياة والموت ؟ نقول : فيه وجوه ( أحدها ) أنه على التقديم والتأخير كأنه قال : أحيا وأمات ( ثانيها ) هو بمعنى المستقبل ، فإن الأمر قريب يقال : فلان وصل والليل دخل إذا قرب مكانه وزمانه ، فكذلك الإحياء والإماتة ( ثالثها ) أمات أي خلق الموت والجمود في العناصر ، ثم ركبها وأحيا أي خلق الحس والحركة فيها .