المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (130)

130- يا أيها الذين آمنوا لا تأخذوا في الدَّيْنِ إلا رءوس أموالكم ، فلا تزيدوا عليها زيادة تجيء سنة بعد أخرى فتتضاعف وخافوا اللَّه ، فلا تأكلوا أموال الناس بالباطل ، فإنكم تفلحون وتفوزون باجتنابكم الربا قليله وكثيره{[35]} .


[35]:وصف الربا بأنه ضعاف مضاعفة وهذا يدعونا إلى الكلام من الناحية الاقتصادية عن الربا، فالربا نوعان: ربا النسيئة: وهو ما حرم بالنص القرآني، وضابطه طل قرض جر نفعا للمقرض في مقابل النسيئة ـ أي التأخير ـ سواء كانت المنفعة نقدا أو عينا كثيرة أو قليلة لا كما ذهبت إليه القوانين الوضعية من جعل الربا جائزا في حدود معينة 6% مثلا. أما ربا الفضل: فهو بيع ربوي بمثله أو زيادة كأردب قمح جيد بأردب وكيلتين باتفاق الطرفين، ويكون في المطعومات التي تخرج منها الزكاة وفي النقدية، وتحريمه ثابت بالحديث الشريف الذي مر ذكره بحديث آخر عن ابن عمر: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا الورق إلا مثلا بمثل سواء بسواء إني أخشى عليكم الرماد أي الربا" وبعض العلماء يرى أن الأول هو المحرم مؤكدا بنص القرآن؛ لأنه هو الربح المركب الذي يؤكل به الربا أضعافا مضاعفة، وأما ربا الفضل فضرره قليل ولم يحرم بالحديث لذاته لأنه قد يجر إلى ربا النسيئة وذلك من باب سد الذرائع فهو يباح عند الضرورة والحاجة، والربا من الناحية الاقتصادية من أخطر وسائل على الثروة والإنتاج لأنه وسيلة إلى كنز النقد والاستكثار منه دون عمل سوى الاتجار به، مع أنه في الأصل لم يوجد إلا كواسطة تقوم بها المنتجات والحاصلات حتى يمكن التبادل عليها وتقييمها بالنسبة لبعضها البعض، وديانة اليهود نفسها تحرمه بين اليهودي واليهودي، وإنما أحلوه مع الآخرين لمصلحتهم وللإضرار بالآخرين والتحكم في الاقتصاد الدولي بئس ما يصنعون.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (130)

{ يَآ أَيُّهَا الذين آمَنُواْ . . . } .

قال الإمام الرازى ما ملخصه : اعلم أن من الناس من قال : إن الله - تعالى - لما شرح عظيم نعمه على المؤمنين فيما يتعلق بإرشادهم إلى الأصلح لهم فى أمر الدين وفى أمر الجهاد ، أتبع ذلك بما يدخل فى الأمر والنهى والترغيب والترهيب فقال : { يَآ أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الربا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } .

وقال القفال : يحتمل أن تكون هذه الآية متصلة بما قبلها من جهة أن المشركين فى غزوة أحد أنفقوا على عساكرهم أموالا كثيرة جمعوها من الربان ولعل ذلك يصير داعياً للمسلمين إلى الإقدام على الربا حتى يجمعوا المال وينفقوه على المعسكر ، ويتمكنوا من الانتقام منهم ، فلا جرم نهاهم الله عن ذلك .

وكان الرجل فى الجاهلية إذا كان له على إنسان مائة درهم - مثلا - إلى أجل ، فإذا حل الأجل ولم يكن المدين واجدا لذلك المال قال : زدنى فى المال حتى أزيد فى الأجل ، فربما جعله مائتين ، ثم إذا حل الأجل الثاني فعل مثل ذلك ثم إلى آجال كثيرة ، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها فهذا هو المراد من قوله { أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } .

وقد ابتدأ - سبحانه - الآية بالنداء بقوله { يَآ أَيُّهَا الذين آمَنُواْ } لبيان أن أكل الربا ليس من شأن المؤمنين ، وإنما هو من سمات الكافرين والفاسقين .

وإذا كان الكافرون يستكثرون من تعاطى الربا فعلى المؤمنين أن يجتنبوا هذا الفعل القبيح ، وأن يتحروا الحلال فى كل أمورهم .

وخصه بالنهى لأنه كان شائعاً فى ذلك الوقت ، ولأنه - كما يقول القرطبى - هو الذى أذن فيه بالحرب فى قوله - تعالى - { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ } والحرب يؤذن بالقتل ، فكأنه يقول لهم : إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم .

والمراد من الأكل الأخذ ، وعبر عنه بالأكل لما أنه معظم ما يقصد بهن ولشيوعه فى المأكولات مع ما فيه من زيادة التشنيع .

والربا معناه الزيادة ، والمراد بها هنا تلك الزيادة التى كانت تضاف على الدين .

قال الإمام ابن جرير : عن عطاء قال : كانت ثقيف تداين بنى المغيرة فى الجاهلية ، فإذا حل الأجل قالوا : نزيدكم وتؤخرون .

وقال ابن زيد : كان أبى - زيد بن ثابت - يقول : إنما كان ربا الجاهلية فى التضعيف . يكون للرجل على الرجل دين فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له : " تقضينيى أو تزيدنى " .

وقوله { أَضْعَافاً } حال من الربا ، وقوله { مُّضَاعَفَةً } صفة له .

والأضعاف جمع ضعف . وضعف الشىء مثلاه ، وأضعافه أمثاله .

وهذا القيد وهو قوله " أضعافا مضاعفة " ليس لتقييد النهى به ، أى ليس النهى عن أكل الربا فى هذه الحالة وإباحته فى غيرها ، بل هذا القيد لمراعاة الواقع ، ولبيان ما كانوا عليه فى الجاهلية من التعامل الفاسد المؤدى إلى استئصال المال ، ولتوبيخ من كان يتعاطى الربا بتلك الصورة البشعة .

وقد حرم الله - تعالى - أصل الربا ومضاعفته ، ونفر منه تنفيراً شديداً ، فقال - تعالى - { الذين يَأْكُلُونَ الربا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قالوا إِنَّمَا البيع مِثْلُ الربا وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا } وهذا النوع من الربا الذى نهى الله - تعالى - عنه هنا بقوله : { يَآ أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الربا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } هو الذى يسمى عند الصحابة والفقهاء بربا النسيئة ، أو ربا الجاهلية وقد حرمه الإسلام تحريماً قاطعا . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع : " ألا إن الجاهلية موضوع - أي مهدر - وأول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبد المطلب " .

وقال الإمام أحمد بن حنبل : إن ربا النسيئة يكفر من يجحد تحريمه .

ويقابل هذا النوع من الربا ، ربا البيوع وهو الذى ورد فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه : " البر بالبر مثلا بمثل يدا بيد ، والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا يد والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد ، والتمر بالتمر مثلا بمثلا يدا بيد ، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى " .

وقد اتفق العلماء على أن بيع هذه الأصناف لا بد أن يكون بغير زيادة إذا كانت بمثلها كقمح بقمح ، ولا بد من قبضها . وإذا اختلف الجنس كقمح بشعير جازت الزيادة ، ولا بد من القبض فى المجلس ، والتأخير يسمى ربا النساء ، والزيادة المحرمة تسمى ربا الفضل .

وللفقهاء فى هذا الموضوع مباحث طويلة فليرجع إليها من شاء فى مظانها . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بأمر المؤمنين بخشيته وتقواه فقال : { واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .

أى : واتقوا الله بأن تجعلوا بينكم وبين محارمه ساترا ووقاية ، لعلكم بذلك تنالون الفلاح فى الدنيا والآخرة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (130)

يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافا مضاعفة ، كما كانوا يقولون في الجاهلية - إذا حَلّ أجل الدين : إما أن يَقْضِي وإمّا أن يُرْبِي ، فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده الآخَر في القَدْر ، وهكذا كلّ عام ، فربما{[5669]} تضاعف القليل حتى يصير كثيرًا مضاعفا .


[5669]:في ر: "وربما".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (130)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } لا تزيدوا زيادات مكررة ، ولعل التخصيص بحسب الواقع . إذ كان الرجل منهم يربي إلى أجل ثم يزيد فيه زيادة أخرى حتى يستغرق بالشيء الطفيف مال المديون . وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب " مضعفة " . { واتقوا الله } فيما نهيتم عنه . { لعلكم تفلحون } راجين الفلاح .