البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (130)

{ والله غفور رحيم } في هذه الجملة ترجيح لجهة الإحسان والإنعام { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } قال ابن عطية : هذا النهي عن أكل الربا اعترض أثناء قصة أحد ، ولا أحفظ شيئاً في ذلك مروياً انتهى .

ومناسبة هذه الآية لما قبلها ومجيئها بين أثناء القصة : أنّه لما نهى المؤمنين عن اتخاذ بطانة من غيرهم ، واستطرد لذكر قصة أحد .

وكان الكفار أكثر معاملاتهم بالربا مع أمثالهم ومع المؤمنين ، وهذه المعاملة مؤدية إلى مخالطة الكفار ، نهوا عن هذه المعاملة التي هي الربا قطعاً لمخالطة الكفار ومودّتهم ، واتخاذ إخلاء منهم ، لا سيما والمؤمنون في أول حال الإسلام ذوو إعسار ، والكفار من اليهود وغيرهم ذوو يسار .

وكان أيضاً أكل الحرام له مدخل عظيم في عدم قبول الأعمال الصالحة والأدعية ، كما جاء في الحديث : « إن الله تعالى لا يستجيب لمن مطعمه حرام ومشربه حرام إذا دعا » « وأن آكل الحرام يقول إذا حج : لبيك وسعديك .

فيقول الله له : لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك » فناسب ذكر هذه الآية هنا .

وقيل : ناسب اعتراض هذه الجملة هنا أنه تعالى وعد المؤمنين بالنصر والإمداد مقروناً بالصبر والتقوى ، فبدأ بالأهم منها وهو : ما كانوا يتعاطونه من أكل الأموال بالباطل ، وأمر بالتقوى ، ثم بالطاعة .

وقيل : لما قال تعالى : { ولله ما في السموات وما في الأرض } وبيّن أنّ ما فيهما من الموجودات ملك له ، ولا يجوز أنْ يتصرّف في شيء منها إلا بإذنه على الوجه الذي شرعه .

وآكلُ الربا متصرّف في ماله بغير الوجه الذي أمر ، نبَّه تعالى على ذلك ، ونهى عما كانوا في الإسلام مستمرّين عليه من حكم الجاهلية ، وقد تقدم الربا في سورة البقرة .

وانتصب أضعافاً ، فانهوا عن الحالة الشنعاء التي يوقعون الربا عليها ، كان الطالب يقول : أتقضي أم تربي ، وربما استغرق بالنزر اليسير مال المدين ، لأنه إذا لم يجد وفاء زاد في الدين ، وزاد في الأصل .

وأشار بقوله : مضاعفة ، إلى أنهم كانوا يكررون التضعيف عاماً بعد عام .

والربا محرم جميع أنواعه ، فهذه الحال لا مفهوم لها ، وليست قيداً في النهي ، إذ ما لا يقع أضعافاً مضاعفة مساوٍ في التحريم لما كان أضعافاً مضاعفة .

وقد تقدم الكلام في نسبة الآكل إلى الربا في البقرة .

وقيل : المضاعفة منصرفة إلى الأموال .

فإن كان الربا في السن يرفعونها ابنة مخاض بابنة لبون ، ثم حقة ، ثم جذعة ، ثم رباع ، هكذا إلى فوق .

وإن كان في النقود فمائة إلى قابل بمائتين ، فإن لم يوفهما فأربعمائة .

والأضعاف : جمع ضعف ، وهو من جموع القلة .

فلذلك أردفه بالمضاعفة .

{ واتقوا الله لعلكم تفلحون } لما نهاهم عن أمر صعب عليهم فراقه وهو الربا ، أمر بتقوى الله إذ هي الحاملة على مخالفة ما تعوده المرء مما نهى الشرع عنه .

ثم ذكر أنّ التقوى سبب لرجاء الفلاح وهو الفوز ، وأمر بها مطلقاً لا مقيداً بفعل الربا ، لأنه لما نهى عن الربا كان المؤمنون أسرع شيء لطواعية الله تعالى ، فلم يأت واتقوا الله في أكل الربا بل أمروا بالتقوى ، لا بالنسبة إلى شيء خاص منعوه من جهة الشريعة .

/خ132