وقوله - سبحانه - : { والنهار إِذَا جَلاَّهَا } أى : جلى الشمس وأظهرها وكشفها للناظرين .
قال الآلوسى : وقوله : { والنهار إِذَا جَلاَّهَا } أى : جلى النهار الشمس ، أى : أظهرها ، فإنها تنجلى وتظهر إذا انبسط النهار ، ومضى منه مدة ، فالإِسناد مجازى كالإِسناد فى نحو : صام نهاره .
وقيل : الضمير المنصوب يعود إلى الأرض ، وقيل : إلى الدنيا ، والمراد بها وجه الأرض ، وقيل : إلى الظلمة ، وجلاها حينئذ بمعنى أزالها ، وعدم ذكر المرجع على هذه الأقوال للعلم به .
وقوله : { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا } قال مجاهد : أضاء . وقال قتادة : { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا } إذا غشيها النهار .
قال ابن جرير : وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى : والنهار إذا جلا الظلمة ، لدلالة الكلام عليها .
قلت : ولو أن هذا القائل تأول [ ذلك ]{[30124]} بمعنى { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا } أي : البسيطة ، لكان أولى ، ولصح [ تأويله في ]{[30125]} قول الله{[30126]} { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } فكان أجود وأقوى ، والله أعلم . ولهذا قال مجاهد : { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا } إنه كقوله : { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } [ الليل : 2 ] .
وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس ، لجريان ذكرها .
وقوله : وَالنّهارِ إذَا جَلاّها يقول : والنهار إذا جَلاّها ، قال : إذا أضاء .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالنّهارِ إذَا جَلاّها قال : إذا غشيها النهار .
وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك بمعنى : والنهار إذا جَلاّ الظلمة ، ويجعل الهاء والألف من جلاّها كناية عن الظلمة ، ويقول : إنما جاز الكناية عنها ، ولم يجر لها ذكر قبل ، لأن معناها معروف ، كما يعرف معنى قول القائل : أصبحت باردة ، وأمست باردة ، وهبّت شمالاً ، فكنى عن مؤنثات لم يجر لها ذكر ، إذ كان معروفا معناهن .
والصواب عندنا في ذلك : ما قاله أهل العلم الذين حكينا قولهم ، لأنهم أعلم بذلك ، وإن كان للذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربية وجه .
{ والنهار } ظاهر هذه السورة والتي بعدها أنه من طلوع الشمس ، وكذلك قال الزجاج في كتاب «الأنواء » وغيره : واليوم من طلوع الفجر ، ولا يختلف أن نهايتهما مغيب الشمس ، والضمير في { جلاها } يحتمل أن يعود على { الشمس } ويحتمل أن يعود على الأرض أو على الظلمة وإن كان لم يجر له ذكر فالمعنى يقتضيه ، قاله الزجاج . و «جلى » معناه كشف وضوى ، والفاعل بجلَّى على هذا التأويلات { النهار } ، ويحتمل أن يكون الفاعل الله تعالى كأنه قال : والنهار إذا جلى الله الشمس ، فأقسم بالنهار في أكمل حالاته .
والضمير المؤنث في قوله : { جلاها } ظاهره أنه عائد إلى الشمس فمعنى تجلية النهار بالشمس وقت ظهور الشمس .
فإسناد التجلية إلى النهار مجاز عقلي والقَسَم إنما هو بالنهار لأنه حالة دالة على دقيق نظام العالم الأرضي . وقيل : الضمير عائد إلى الأرض ، أي أضاء الأرض فتجلت للناظرين لظهور المقصود كما يقال عند نزول المطر « أرسلت » يعنون أرسلت السماء ماءَها .
وقُيد القَسَم بالنهار بقيد وقت التجلية إدماجاً للمنة في القسم .
وابتدىء القسم بالشمس وأضوائها الثلاثة الأصلية والمنعكسة لأن الشمس أعظم النيرات التي يصل نور شديد منها للأرض ، ولما في حالها وحال أضوائها من الإِيماء إلى أنها مثل لظهور الإِيمان بعد الكفر وبث التقوى بعد الفجور فإن الكفر والمعاصي تُمثَّل بالظلمة والإِيمانَ والطاعاتِ تُمثَّل بالضياء قال تعالى : { ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه } [ المائدة : 16 ] .
وأعقب القسَمُ بالنهار بالقسم بالليل لأن الليل مقابل وقتَ النهار فهو وقت الإِظلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.