المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

17 - كانوا ينامون قليلاً من الليل ، ويستيقظون أكثره للعبادة ، وبأواخر الليل هم يستغفرون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

ثم مدحهم - سبحانه - بصفة أخرى فقال : { وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } والأسحار جمع سحر ، وهو الجزء الأخير من الليل .

أى ، وكانوا فى أوقات الأسحار يرفعون أكف الضراعة إلى الله - تعالى - يستغفرونه مما فرط منهم من ذنوب ، ويلتمسون منه - تعالى - قبول توبتهم وغسل حوبتهم .

قال الإمام الرازى ما ملخصه : وفى الآية إشارة إلى أنهم كانوا يتهجدون ويجتهدون ، ثم يريدون أن يكون عملهم أكثر من ذلك ، وأخلص منه ، ويستغفرون من التقصير ، وهذه سيرة الكريم : يأتى بأبلغ وجوه الكرم ويستقله ، ويعتذر من التقصير ، واللئيم يأتى بالقليل ويستكثره .

وفيه وجه آخر ألطف منه : وهو أنه - تعالى - لما بين أنهم يهجعون قليلا ، والهجوع مقتضى الطبع . قال { يَسْتَغْفِرُونَ } أى : من ذلك القدر من النوم القليل .

ومدحهم بالهجوع ولم يمدحهم بكثرة السهر . . للإشارة إلى أن نومهم عبادة ، حيث مدحهم بكونهم هاجعين قليلا ، وذلك الهجوع أورثهم الاشتغال بعبادة أخرى ، وهو الاستغفار . . . فى وجوه الأسحار ، ومنعهم من الإعجاب بأنفسهم ومن الاستكبار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

ويصور إحسانهم صورة خاشعة ، رفافة حساسة :

( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون ) . .

فهم الأيقاظ في جنح الليل والناس نيام ، المتوجهون إلى ربهم بالاستغفار والاسترحام لا يطعمون الكرى إلا قليلا ، ولا يهجعون في ليلهم إلا يسيرا . يأنسون بربهم في جوف الليل فتتجافى جنوبهم عن المضاجع ، ويخف بهم التطلع فلا يثقلهم المنام !

قال الحسن البصري : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) . . كابدوا قيام الليل ، فلا ينامون من الليل إلا أقله ، ونشطوا فمدوا إلى السحر ، حتى كان الاستغفار بسحر .

وقال قتادة : قال الأحنف بن قيس : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) . . كانوا لا ينامون إلا قليلا . ثم يقول : لست من أهل هذه الآية .

قال الحسن البصري : كان الأحنف بن قيس يقول عرضت عملي على عمل أهل الجنة ، فإذا قوم قد باينونا بونا بعيدا ، إذ نحن قوم لا نبلغ أعمالهم . كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وعرضت عملي على عمل أهل النار ، فإذا قوم لا خير فيهم ، مكذبون بكتاب الله وبرسل الله مكذبون بالبعث بعد الموت . فقد وجدت من خيرنا منزلة قوما خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : قال رجل من بني تميم لأبي : يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا . ذكر الله تعالى قوما فقال : ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ) . ونحن والله قليلا من الليل ما نقوم ! فقال له أبي - رضي الله عنه - : طوبى لمن رقد إذا نعس ، واتقى الله إذا استيقظ .

فهي حال يتطلع إليها رجال من التابعين - ذوي المكانة في الإيمان واليقين - ويجدون أنفسهم دونها . اختص بها ناس ممن اختارهم الله ، ووفقهم إلى القيام بحقها . وكتبهم بها عنده من المحسنين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

وقوله عز وجل : { وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قال مجاهد ، وغير واحد : يصلون . وقال آخرون : قاموا الليل ، وأخروا الاستغفار إلى الأسحار . كما قال تعالى : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } [ آل عمران : 17 ] ، فإن كان الاستغفار في صلاة فهو أحسن . وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى يطلع الفجر " {[27420]} .

وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب : أنه قال لبنيه : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } [ يوسف 98 ] قالوا : أخرهم إلى وقت السحر .


[27420]:- (1) رواه مسلم في صحيحه برقم (758).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

{ وبالأسحار هم يستغفرون } أي أنهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم ، وفي بناء الفعل على الضمير إشعارا بأنهم أحقاء بذلك لوفور علمهم بالله وخشيتهم منه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وبالأسحار} يعني آخر الليل {هم يستغفرون} يعني يصلون...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

روى ابن وهب عن مالك في قوله تعالى: {وبالأسحار هم يستغفرون} قال: هو الرجل يمد الصلاة إلى السحر...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَبالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "اختلف أهل التأويل في تأويله؛

فقال بعضهم: معناه: وبالأسحار يصلون...

وقال آخرون: بل عنى بذلك أنهم أخروا الاستغفار من ذنوبهم إلى السحر...

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: السحر: هو السدس الأخير من الليل.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

السدس الأخير من الليل هو وقت السحر، فإن الله تعالى قال: {وبالأسحار هم يستغفرون} قيل: يصلون لما فيها من الاستغفار، وهو مقارب للفجر الذي هو وقت انصراف ملائكة الليل وإقبال ملائكة النهار...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فيه أنهم هم المستغفرون الأحقاء بالاستغفار دون المصرّين، فكأنهم المختصون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

إشارة إلى أنهم كانوا يتهجدون ويجتهدون يريدون أن يكون عملهم أكثر من ذلك وأخلص منه ويستغفرون من التقصير وهذا سيرة الكريم يأتي بأبلغ وجوه الكرم ويستقله ويعتذر من التقصير، واللئيم يأتي بالقليل ويستكثره ويمن به. وفيه وجه آخر ألطف منه، وهو أنه تعالى لما بين أنهم يهجعون قليلا، والهجوع مقتضى الطبع، قال: {يستغفرون} أي من ذلك القدر من النوم القليل. وفيه لطيفة أخرى تنبيها في جواب سؤال، وهو أنه تعالى مدحهم بقلة الهجوع، ولم يمدحهم بكثرة السهر، وما قال: كانوا كثيرا من الليل ما يسهرون، فما الحكمة فيه، مع أن السهر هو الكلفة والاجتهاد لا الهجوع؟ نقول إشارة إلى أن نومهم عبادة، حيث مدحهم الله تعالى بكونهم هاجعين قليلا، وذلك الهجوع أورثهم الاشتغال بعبادة أخرى، وهو الاستغفار في وجوه الأسحار، ومنعهم من الإعجاب بأنفسهم والاستكبار...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وبالأسحار}... {هم} أي دائماً بظواهرهم وبواطنهم {يستغفرون} أي يعدون مع هذا الاجتهاد أنفسهم مذنبين ويسألون غفران ذنوبهم لوفور علمهم بالله وأنهم لا يقدرون على أن يقدروه حق قدره وإن اجتهدوا لقول سيد الخلق "لا أحصي ثناء عليك " وإبراز الضمير دال على أن غيرهم لو فعل هذا ليلة لأعجب بنفسه ورأى أنه لا أحد أفضل منه، وعلى أن استغفارهم في الكثرة يقتضي أنهم يكونون بحيث يظن أنهم أحق بالتذلل من المصرين على المعاصي، فإن استغفارهم ذلك على بصيرة لأنهم نظروا ما له سبحانه في الآفاق وفي أنفسهم من الآيات والحكم البالغة التي لا تحصى فعلموا أنه أهل لأن يطاع ويخشى فاجتهدوا وتركوا الهجوع، وأجروا الدموع، ثم قابلوا ذلك بنعمه فإذا الأعمال في غاية التقصير فأقبلوا على الاستغفار عالمين بأنه لا يمكن أن يقدر حق قدره.