{ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } واللفح : الإحراق الشديد يقال : فلان لفحته النار تلفحه لفحا ولفحانا إذا أحرقته .
والكلوح ، هو أن تتقلص الشفتان ، وتتكشف الأسنان ، لأن النار قد أحرقت الشفتين ، كما يشاهد - والعياذ بالله - رأس الشاة بعد شويها .
أى : تحرق النار وجوه هؤلاء الأشقياء ، وهم فيها متقلصو الشفاه عن الأسنان ، من أثر ذلك الإحراق واللفح .
{ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ } ، كما قال تعالى : { وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ } [ إبراهيم : 50 ] ، وقال { لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ } [ الأنبياء : 39 ] .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فَرْوَة بن أبي المغراء{[20686]} ، حدثنا محمد بن سلمان الأصبهاني ، عن أبي سِنَان ضِرَار بن مُرَّة ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن جهنم لما سيق [ إليها ]{[20687]} أهلها يلقاهم{[20688]} لهبها ، ثم تلفحهم لفحة ، فلم يبق لحم إلا سقط على العرقوب " . {[20689]} وقال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى الفَزَّاز ، حدثنا الخضر بن علي بن يونس القطان ، حدثنا عمر بن أبي الحارث بن الخضر القَطَّان ، حدثنا سعد بن سعيد{[20690]} المقبري ، عن أخيه ، عن أبيه ، عن أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ } قال : " تلفحهم لفحة ، فتسيل لحومهم على أعقابهم " {[20691]} .
وقوله : { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني عابسون .
وقال الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود : { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قال : ألم تر إلى الرأس المُشَيَّط الذي قد بدا أسنانه وقَلَصت شفتاه .
وقال الإمام أحمد ، رحمه الله : أخبرنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك ، رحمه الله - أخبرنا سعيد بن يزيد ، عن أبي السَّمْح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخُدْري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } ، قال : " تَشْويه النار فَتَقَلَّصُ شفته العليا حتى تبلغ وَسَطَ رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تَضْرب سُرَّته " .
ورواه الترمذي ، عن سُوَيْد بن نصر{[20692]} عن عبد الله بن المبارك ، به{[20693]} وقال : حسن غريب .
وقوله : تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارَ يقول : تَسْفَع وجوهَهم النار . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ قال : تنفَح .
وَهُمْ فِيها كالحُونَ والكُلوح : أن تتقلّص الشفتان عن الأسنان حتى تبدو الأسنان ، كما قال الأعشي :
وَلَهُ المُقَدّمُ لا مِثْلَ لَهُ *** ساعَةَ الشّدْقُ عَنِ النّابِ كَلَحْ
فتأويل الكلام : يَسْفَع وجوههم لهب النار فتُحْرقها ، وهم فيها متقلصوا الشفاه عن الأسنان من إحراق النار وجوههم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : وَهُمْ فِيها كالِحُونَ يقول : عابسون .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبد الله ، في قوله : وَهُمْ فِيها كالِحُونَ قال : ألم تر إلى الرأس المشيط قد بدت أسنانه وقَلَصت شفتاه ؟ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبد الله ، قرأ هذه الاَية : تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ . . . الاَية ، قال : ألم تر إلى الرأس المشيط بالنار وقد قَلَصت شفتاه وبدت أسنانه ؟ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَهُمْ فِيها كالِحُونَ قال : ألم تر إلى الغنم إذا مست النار وجوهها كيف هي ؟ .
و «لفح النار » إصابتها بالوهج والإحراق ، وقرأ أبو حيوة «كلحون » بغير ألف ، والكلوح : انكشاف الشفتين عن الأسنان ، وهذا يعتري الإنسان عن المباطشة مع الغضب ، ويعتري الرؤوس عند النار ، وقد شبه عبد الله بن مسعود في هذه الآية مما يعتري رؤوس الكباش إذا شيطت بالنار فإنها تكلح{[8549]} ومعه كلوح الكلب والأسد ويستعار للزمن والخطوب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.