فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{تَلۡفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمۡ فِيهَا كَٰلِحُونَ} (104)

{ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ } أي تحرقها مستأنفة أو حالية أو خبر لأولئك . واللفح أشد النفح لأنه الإصابة بشدة ، والنفح الإصابة مطلقا ، كما في قوله تعالى : { ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك } ، وقيل اللفح الإحراق ، يقال : لفحته النار إذا أحرقته ، ولفحته بالسيف إذا ضربته ، وخص الوجوه لأنها أشرف الأعضاء وقيل تسفع . قال ابن عباس : تلفح تنفخ .

أخرج ابن مردويه والضياء عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية : ( تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعقابهم ) وعن أبي مسعود قال : لفحتهم لفحة فما أبقت لحما على عظم إلا ألقته على أعقابهم .

{ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } حالية ، والكالح الذي قد شمرت شفتها وبدت أسنانه قاله الزجاج ، ودهر كالح أي شديد .

قال أهل اللغة : الكلوح تكشر في عبوس وبابه خضع ، ومنه كلوح الأسد أي تكشيره عن أنيابه ، وقيل الكلوح تقطب الوجه ، وكلح الرجل يكلح كلوحا وكلاحا وعن ابن مسعود قال : كلوح الرأس النضج بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم ، وعن ابن عباس قال : كالحون أي عابسون وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال : ( تشويه النار فتتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى ، حتى تضرب سرته ) أخرجه الترمذي{[1271]} ، وقال :

{ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ( 106 ) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ( 107 ) قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ( 108 ) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ( 109 ) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ( 110 ) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ( 111 ) } .

حديث حسن صحيح غريب ، وقد ورد في صفة أهل النار وما يقولونه وما يقال لهم أحاديث كثيرة معروفة


[1271]:الترمذي جهنم باب ـ 5 ـ تفسير سورة 23 ـ 4.