وقوله - تعالى - { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً . . . } بيان لنعمة أخرى من النعم التى أنعم الله - سبحانه - بها على إبراهيم .
والنافلة : الزيادة على الأصل . ولذا سميت صلاة السنن نافلة ، لأنها زيادة على الصلوات المفروضة . وإسحاق هو ابن إبراهيم . ويعقوب هو ابن إسحاق .
فلفظ " نافلة " حال من يعقوب أى : ووهبنا لإبراهيم يعقوب حال كونه زيادة على إسحاق . { وَكُلاًّ } من المذكورين وهم إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب .
{ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } أى : جعلناهم أفراداً صالحين ، لأن وفقناهم لما نحبه ونرضاه ، وشرفناهم بالنبوة والرسالة .
( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ، وكلا جعلنا صالحين . وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ، وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وكانوا لنا عابدين ) . .
لقد ترك إبراهيم - عليه السلام - وطنا وأهلا وقوما . فعوضه الله الأرض المباركة وطنا خيرا من وطنه . وعوضه ابنه إسحاق وحفيده يعقوب أهلا خيرا من أهله . وعوض من ذريته أمة عظيمة العدد قوما خيرا من قومه .
وقوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } قال عطاء ، ومجاهد : عطية .
وقال ابن عباس ، وقتادة ، والحكم بن عُيينة : النافلة ولد الولد ، يعني : أن يعقوب ولد إسحاق ، كما قال : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [ هود : 71 ] .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : سأل واحدًا فقال : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } [ الصافات : 100 ] ، فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَة وَإِيتَآءَ الزّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ووهبنا لإبراهيم إسحاق ولدا ويعقوب ولد ولده ، نافلةً لك .
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله : نافِلَةً فقال بعضهم : عُني به يعقوب خاصة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً يقول : ووهبنا له إسحاق ولدا ، ويعقوب ابْنَ ابنٍ نافلة .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً والنافلة : ابن ابنه يعقوب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال : سأل واحدا فقال : ربّ هب لي من الصالحين فأعطاه واحدا ، وزاده يعقوب ويعقوب ولد ولده .
وقال آخرون : بل عُني بذلك إسحاقُ ويعقوب . قالوا : وإنما معنى النافلة : العطية ، وهما جميعا من عطاء الله أعطاهما إياه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء ، في قوله : وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال : عطية .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : إسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً قال : عطاء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
قال أبو جعفر : وقد بيّنا فيما مضى قبل أن النافلة الفضل من الشيء يصير إلى الرجل من أيّ شيء كان ذلك ، وكلا ولديه إسحاق ويعقوب كان فضلاً من الله تفضل به على إبراهيم وهبة منه له . وجائز أن يكون عني به أنه آتاهما إياه جميعا نافلة منه له ، وأن يكون عني أنه آتاه نافلة يعقوب ولا برهان يدلّ على أيّ ذلك المراد من الكلام ، فلا شيء أولى أن يقال في ذلك مما قال الله ووهب الله لإبراهيم إسحاق ويعقوب نافلة .
وقوله : وكُلاّ جَعَلْنا صَالِحِينَ يعني عاملين بطاعة الله ، مجتنبين محارمه . وعني بقوله : كُلاّ : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب .
هبة إسحاق له ازدياده له على الكبر وبعد أن يئست زوجه سارة من الولادة .
وهبة يعقوب ازدياده لإسحاق بن إبراهيم في حياة إبراهيم ورؤيته إياه كهلاً صالحاً .
والنافلة : الزيادة غير الموعودة ، فإن إبراهيم سأل ربه فقال { رب هب لي من الصالحين أراد الولد فوُلد له إسماعيل } كما في [ سورة الصافات : 100 ] ، ثم ولُد له إسحاق عن غير مسألة كما في سورة هود فكان نافلة ، وولد لإسحاق يعقوب فكان أيضاً نافلة .
وانتصب { نافلة } على الحال التي عاملها { وهبنا } فتكون حالاً من إسحاق ويعقوب شأن الحال الواردة بعد المفردات أن تعود إلى جميعها .
وتنوين { كُلاً } عوض عن المضاف إليه . والمعنى : وكلَّهم جعلنا صالحين ، أي أصلحنا نفوسهم . والمراد إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، لأنهم الذين كان الحديث الأخير عنهم . وأما لوط فإنما ذكر على طريق المعية وسيُخص بالذكر بعد هذه الآية .