التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ} (2)

أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين الذين جاؤوك ليساوموك على أن تعبد آلهتهم مدة ، وهم يعبدون إلهك مدة أخرى . . قل لهم على سبيل الحزم والتأكيد : " لا أعبد " أنا الذى تعبدونه من آلهة باطلة ، ولا أنتم عابدون الإِله الحق الذى أعبده ، لجهلكم وجحودكم ، وعكوفكم على ما كان عليه آباؤكم من ضلال .

وافتتحت السورة الكريمة بفعل الأمر " قل " للاهتمام لما سيأتى بعده من كلام المقصود منه إبلاغه إليهم ، وتكليفهم بالعمل به .

ونودوا بوصف الكافرين ؛ لأنهم كانوا كذلك ، ولأن في هذا النداء تحقيرا واستخفافا بهم .

و " ما " هنا موصولة بمعنى الذي ، وأوثرت على " مَن " لأنهم ما كانوا يشكون فى ذات الآلهة التي يعبدونها ، ولافي ذات الإله الحق الذى يعبده النبى صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانوا يشكون فى أوصافه - تعالى - ، من زعمهم أن هذه الأصنام ما يعبدونها إلا من أجل التقرب إليه .

ويقولون : { هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله } مع أن الله - تعالى - منزه عن ذلك ، فالمقصود من " ما " هنا : الصفة ، وليس الذات ، فكأنه قال : لا أعبد الباطل الذي تعبدونه ، وأنتم لجهلكم لا تعبدون الإله الحق الذى أعبده .

وقوله - تعالى - : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } تأكيد وتقرير لما اشتمل عليه الكلام السابق . . " وما " هنا مصدرية ، فكأنه قبل : ولا أنا عابد عبادتكم ، ولا أنتم عابدون عبادتى .

فالآيتان السابقتان تنفيان الاتحاد بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم في المعبود ، وهاتان الآيتان تنفيان الاتحاد في العبادة ، والمقصود من ذلك المبالغة التامة في البراءة من معبوداتهم الباطلة ، ومن عبادتهم الفاسدة ، وأنه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين ، لا يعبدون إلا الله - عز وجل - ، وهم بذلك يكونون قد اهتدوا إلى العبادة الصحيحة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ} (2)

( لا أعبد ما تعبدون ) . . فعبادتي غير عبادتكم ، ومعبودي غير معبودكم . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ} (2)

يعني : من الأصنام والأنداد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ} (2)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مّا عَبَدتّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان المشركون من قومه -فيما ذُكر- عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة ، فأنزل الله مُعَرّفه جوابهم في ذلك : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا إلهك سنة يا أيّها الكافِرُونَ بالله لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ من الآلهة والأوثان الآن ، وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ الآن ، وَلا أنا عابِدٌ فيما أستقبل ما عَبَدْتُمْ فيما مضى ، وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ فيما تستقبلون أبدا ما أعْبُدُ أنا الآن ، وفيما أستقبل . وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُؤَيّسَهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم ، في وقت من الأوقات ، وآيسَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قُتِل بعضُهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت به الآثار . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن موسى الحَرَشِيّ ، قال : حدثنا أبو خلف ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس : إن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالاً ، فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزوّجوه ما أراد من النساء ، ويَطئوا عَقِبه ، فقالوا له : هذا لك عندنا يا محمد ، وكُفّ عن شتم آلهتنا ، فلا تذكرها بسوء ، فإن لم تفعل ، فإنا نعرض عليك خَصْلة واحدة ، فهي لك ولنا فيها صلاح ، قال : «ما هي ؟ » قالوا : تعبد آلهتنا سنة : اللات والعزّي ، ونعبد إلهك سنة ، قال : «حتى أنظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدَ رَبّي » ، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ : { قُلْ يا أيّها الْكافِرُونَ } السورة ، وأنزل الله : { قُلْ أفَغَيْرَ أللّهِ تَأْمُرونِي أعْبُدُ أيّها الجاهِلُونَ } . . . إلى قوله : { فاعْبُدْ وكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ } .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني سعيد بن ميناء مولى البَخْتَريّ ، قال : لقي الوليد بن المُغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وأميّة بن خلف ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ، هلمّ فلنعبدْ ما تعبد ، وتعبدْ ما نعبد ، ونُشركَك في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شَركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك ، كنت قد شَرِكتنا في أمرنا ، وأخذت منه بحظك ، فأنزل الله : { قُلْ يا أيّها الْكافِرُونَ } حتى انقضت السورة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ} (2)

روي أن رهطا من قريش قالوا : يا محمد ، تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ، فنزلت{ لا أعبد ما تعبدون } أي فيما يستقبل ، فإن ( لا ) لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الاستقبال ، كما أن ما لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الحال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ} (2)

قرأ أبي بن كعب وابن مسعود : «قل للذين كفروا » ، وروي في سبب نزول هذه السورة عن ابن عباس وغيره أن جماعة من عتاة قريش ورجالاتها قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : دع ما أنت فيه ونحن ُنَمِّوُلك ونزوجك من شئت من كرائمنا ونملكك علينا ، وإن لم تفعل هذا فلتعبد آلهتنا ولنعبد إلهك حتى نشترك ، فحيث كان الخير نلناه جميعاً ، هذا معنى قولهم ولفظهم ، لكن للرواة زيادة ونقص ، وروي أن هذه الجماعة المذكورة الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبو جهل وابنا الحجاج ونظراؤهم ممن لم يسلم بعد ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم معهم في هذه المعاني مقامات ، نزلت السورة في إحداها بسبب قولهم : هلم نشترك في عبادة إلهك وآلهتنا ، وروي أنهم قالوا : اعبد آلهتنا عاماً ، ونعبد إلهك عاماً ، فأخبرهم عن أمره عز وجل أن لا يعبد ما يعبدون ، وأنهم غير عابدين ما يعبد ، فلما كان قوله : { لا أعبد } محتملاً أن يراد به الآن ، ويبقى المستأنف منتظراً ما يكون فيه من عبادته ، جاء البيان بقوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } ، أي أبداً وما حييت .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ} (2)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ لا أعبد ما تعبدون } يقول : لا أعبد آلهتكم التي تعبدون اليوم . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان المشركون من قومه -فيما ذُكر- عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة ، فأنزل الله مُعَرّفه جوابهم في ذلك : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا إلهك سنة "يا أيّها الكافِرُونَ" بالله "لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ" من الآلهة والأوثان الآن ، "وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ" الآن ، "وَلا أنا عابِدٌ" فيما أستقبل "ما عَبَدْتُمْ" فيما مضى ، "وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ" فيما تستقبلون أبدا "ما أعْبُدُ" أنا الآن ، وفيما أستقبل . وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُؤَيّسَهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم ، في وقت من الأوقات ، وآيسَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قُتِل بعضُهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وفي هذه السورة وجهان من الدلالة :

أحدهما : ما ذكرنا من إثبات الرسالة .

والثاني : إخبار عن الإياس لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يرجع إلى دينهم أبدا ، وقطع رجائهم وطمعهم في ذلك .

وفيه أيضا أن من أشرك غير الله في عبادته سبحانه وتعالى وعبد غيره دونه على رجاء القربة إلى الله تعالى ، فهو ليس بعابد الله تعالى ولا موحد له ؛ لأن أولئك إنما عبدوا الأصنام رجاء أن تشفع لهم ، ورجاء أن تقربهم إلى الله زلفى . أخبر أنها لا تقربهم زلفى ، وأنهم ليسوا بموحدين ولا عابدين لله تعالى ....

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فأمر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يقول لهم :{ لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } ومعناه لا أعبد ما تعبدون لفساد عبادة الأوثان ، ولا أنتم عابدون ما أعبد لجهلكم بوجوب إخلاص العبادة لله .... وإنما كرر ذكر العبادة لتصريفها في الفوائد المختلفة ، وقد نفى عبادة المؤمن للوثن كيف تصرفت الحال في ماض أو حاضر أو مستقبل لقبحها ، ونفى عبادة الكافر لله مع إقامته على الجهل بوجوب إخلاص العبادة له . وقيل : في وجه التكرير في السورة أن ظاهر ذلك وإن كان تكريرا فليس في الحقيقة تكريرا أصلا ، ولا تكرير في اللفظ إلا في موضع واحد سنبينه بعد بيان المعنى إن شاء الله ، وذلك أن قوما من المشركين سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مناقلة العبادة : سنة يعبدون فيها ما يعبده ( صلى الله عليه وآله ) ، وسنة يعبد هو ما يعبدون ، لزوال العادة بوقوع العبادة على هذه الجهلة ، فجاء الكلام على طريق الجواب لإنكار ما سألوا ، فقيل : { لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } وهذا نفي منه لما يعبدون في الاستقبال . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ لاَ أَعْبُدُ } أريدت به العبادة فيما يستقبل... والمعنى : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم ، ولا أنتم فاعلون فيه ما أطلب منكم من عبادة إلهي ....

الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :

ولما كان قوله : { لاَ أَعْبُدُ } محتملاً أَن يُرَادَ بهِ الآنَ ، وَيَبْقَى المستأنَفُ منتظَراً ما يكونُ فيه من عبادتهِ ، جاء البيانُ بقوله : { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } أي : أبداً ، ثمَّ جاء قوله : { وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ } الثاني حَتْماً عليهمْ أنَّهم لاَ يؤمِنُونَ به أبداً ، كالَّذِي كَشَفَ الغيبَ ....

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } لأن الله قد أرسلني لأرفض الذي تعبدونه ، ولأدعو الناس إلى أن يرفضوه ، فكيف تدعونني إلى أن أعبده ؟ !