فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ} (2)

فأمره الله سبحانه أن يقول لهم :{ لا أعبد ما تعبدون } . أي لا أفعل في الحال ما تطلبون مني من عبادة ما تعبدون من الأصنام . قيل : والمراد فيما يستقبل من الزمان ؛ لأن لا النافية لا تدخل في الغالب إلا على المضارع الذي في معنى الاستقبال ، كما أن ( ما ) لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال .

وذكر الحافظ ابن القيم في بدائع الفوائد عشر مسائل تحت هذه الآية ، وقال : وقع ( ما ) فيها بدلا عن ( من ) ، ومعناه أنتم لا تعبدون معبودي ، فالمقصود المعبود لا العبادة ، ولا يصح في النظم البديع والمعنى الرفيع إلا لفظ ( ما ) ، لإيهامها ومطابقتها الغرض الذي تضمنته الآية . انتهى .

عن ابن عباس : " أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالا ، فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزوجوه ما أراد من النساء ، فقالوا : هذا لك يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ، ولا تذكرها بسوء ، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح ، قال : ما هي ؟ قالوا : تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، قال : حتى أنظر ما يأتيني من ربي فجاء الوحي من عند الله { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } إلى آخر السورة ، وأنزل الله { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } إلى قوله { بل الله فاعبد وكن من الشاكرين } ، أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني .

وعن سعيد بن ميناء مولى أبي البختري قال : لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ؛ " يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله ، فإن كان الذي نحن عليه أصح من الذي أنت عليه كنت قد أخذت منه حظا ، وإن كان الذي أنت عليه أصح من الذي نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظا ، فأنزل الله هذه السورة " أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري .

وعن ابن عباس أن قريشا قالت : لو استلمت آلهتنا لعبدنا ، فأنزل الله هذه السورة كلها .