المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (62)

62- الله يُوسِّع على مَن يشاء في الرزق ، ويُضيِّقُ على مَن يشاء حسبما يقتضيه علمه بالمصالح ، فإن الله قد أحاط بكل شيء علما .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (62)

ثم بين - سبحانه - أن الأرزاق جميعها بيده ، يوسعها لمن يشاء ويضييقها على من يشاء فقال : { الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ . . . } .

والضمير فى قوله : { لَهُ } يعود على { مِنْ } على حد قولك : عندى درهم ونصفه . أى : ونصف درهم آخر .

أى : الله - تعالى - وحده وهو الذى يوسع الرزق لمن يشاء أن يوسعه عليه من عباده ، وهو وحده الذى يضيق الرزق على من يشاء أن يضيقه عليه من عباده . لأنه - سبحانه - لا يسأل عما يفعل ، وأفعاله كلها خاضعة لمشيئته وحكمته ، وكل شئ عنده بمقدار .

ويجوز أن يكون المعنى : الله - تعالى - وحده هو الذى بقدرته أن يوسع الرزق لمن يشاء من عباده تارة ، وأن يضيقه عليهم تارة أخرى .

فعلى المعنى الأول : يكون البسط فى الرزق لأشخاص ، والتضييق على آخرين ، وعلى المعنى الثانى يكون البسط والتضييق للأشخاص أنفسهم ولكن فى أوقات مختلفة .

والله - تعالى - قادر على كل هذه الأحوال ، لأنه - سبحانه - لا يعجزه شئ .

{ إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فيعلم ما فيه صلاح عباده وما فيه فسادهم ، ويعمل من يستحق أن يبسط له فى رزقه ، ومن يستحق التضييق على رزقه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (62)

46

وبعد هذه الجولة مع المؤمنين يرتد السياق إلى التناقض في موقف المشركين وتصوراتهم . فهم يقرون بخلق الله للسماوات والأرض وتسخيره للشمس والقمر وإنزاله الماء من السماء وإحيائه الأرض بعد موتها . وما يتضمنه هذا من بسط الرزق لهم أو تضييقه عليهم . وهم يتوجهون لله وحده بالدعاء عند الخوف . . ثم هم بعد ذلك كله يشركون بالله ، ويؤذون من يعبدونه وحده ، ويفتنونهم عن عقيدتهم التي لا تناقض فيها ولا اضطراب ، وينسون نعمة الله عليهم في تأمينهم في البيت الحرام ، وهم يروعون عباده في بيته الحرام :

ولئن سألتهم : من خلق السماوات والأرض ، وسخر الشمس والقمر ليقولن : الله . فأنى يؤفكون ? الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ، إن الله بكل شيء عليم . ولئن سألتهم : من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن : الله . قل : الحمد لله ، بل أكثرهم لا يعقلون . وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ، لو كانوا يعلمون . فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين . فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ، ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون . أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ? أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ? ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه ? أليس في جهنم مثوى للكافرين ? . .

وهذه الآيات ترسم صورة لعقيدة العرب إذ ذاك ؛ وتوحي بأنه كان لها أصل من التوحيد ؛ ثم وقع فيها الانحراف . ولا عجب في هذا فهم من أبناء إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - وقد كانوا بالفعل يعتقدون أنهم على دين إبراهيم ، وكانوا يعتزون بعقيدتهم على هذا الأساس ؛ ولم يكونوا يحفلون كثيرا بالديانة الموسوية أو المسيحية وهما معهم في الجزيرة العربية ، اعتزازا منهم بأنهم على دين إبراهيم . غير منتبهين إلى ما صارت إليه عقيدتهم من التناقض والانحراف .

كانوا إذا سئلوا عن خالق السماوات والأرض ، ومسخر الشمس والقمر ، ومنزل الماء من السماء ، ومحيي الأرض بعد موتها بهذا الماء . . يقرون أن صانع هذا كله هو الله . ولكنهم مع هذا يعبدون أصنامهم ، أو يعبدون الجن ، أو يعبدون الملائكة ؛ ويجعلونهم شركاء لله في العبادة ، وإن لم يجعلوهم شركاء له في الخلق . . هو تناقض عجيب . تناقض يعجب الله منه في هذه الآيات : ( فأنى يؤفكون ? )أي كيف يصرفون عن الحق إلى هذا التخليط العجيب ? ( بل أكثرهم لا يعقلون )فليس يعقل من يقبل عقله هذا التخليط !

وبين السؤال عن خالق السماوات والأرض ومسخر الشمس والقمر ؛ والسؤال عن منزل الماء من السماء ومحيي الأرض بعد موتها . يقرر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له فيربط سنة الرزق بخلق السماوات والأرض وسائر آثار القدرة والخلق ، ويكل هذا إلى علم الله بكل شيء : إن الله بكل شيء عليم . .

والرزق ظاهر الارتباط بدورة الأفلاك ، وعلاقتها بالحياة والماء والزرع والإنبات . وبسط الرزق وتضييقه بيد الله ؛ وفق الأوضاع والظواهر العامة المذكورة في الآيات . فموارد الرزق من ماء ينزل ، وأنهار تجري ، وزروع تنبت ، وحيوان يتكاثر . ومن معادن وفلزات في جوف الأرض ، وصيد في البر والبحر . . إلى نهاية موارد الرزق العامة ، تتبع كلها نواميس السماوات والأرض ، وتسخير الشمس والقمر تبعية مباشرة ظاهرة . ولو تغيرت تلك النواميس عما هي عليه أدنى تغيير لظهر أثر هذا في الحياة كلها على سطح الأرض ؛ وفي المخبوء فيها من الثروات الطبيعية الأخرى سواء بسواء . فحتى هذا المخبوء في جوف الأرض ؛ إنما يتم تكوينه وتخزينه واختلافه من مكان إلى مكان وفق أسباب من طبيعة الأرض ومن مجموعة تأثراتها بالشمس والقمر !

والقرآن يجعل الكون الكبير ومشاهده العظيمة هي برهانه وحجته ، وهي مجال النظر والتدبر للحق الذي جاء به . ويقف القلب أمام هذا الكون وقفة المتفكر المتدبر ، اليقظ لعجائبه ، الشاعر بيد الصانع وقدرته ، المدرك لنواميسه الهائلة ، بلفتة هادئة يسيرة ، لا تحتاج إلى علم شاق عسير ، إنما تحتاج إلى حس يقظ وقلب بصير . وكلما جلا آية من آيات الله في الكون وقف أمامها يسبح بحمد الله ويربط القلوب بالله : ( قل الحمد لله . بل أكثرهم لا يعقلون ! ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (62)

يقول تعالى مقررا{[22689]} أنه لا إله إلا هو ؛ لأن المشركين - الذين يعبدون معه غيره - معترفون أنه{[22690]} المستقل بخلق السموات والأرض والشمس والقمر ، وتسخير الليل والنهار ، وأنه الخالق الرازق لعباده ، ومقدر آجالهم ، واختلافها واختلاف أرزاقهم ففاوت بينهم ، فمنهم الغني والفقير ، وهو العليم بما يصلح كُلا منهم ، ومَنْ يستحق الغنى ممن يستحق الفقر ، فذكر أنه المستبدُّ بخلق الأشياء{[22691]} المتفرد بتدبيرها ، فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره ؟ ولم يتوكل على غيره ؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته ، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية . وقد كان المشركون يعترفون بذلك ، كما كانوا يقولون في تلبيتهم : " لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك " .


[22689]:- في ت : "مخبرا".
[22690]:- في ف : "بأنه".
[22691]:- في ت : "الأصنام".