ثم بين - سبحانه - هو إن هذه الحياة الدنيا ، بالنسبة للدار الآخرة فقال : { وَمَا هذه الحياة الدنيآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .
واللهو : اشتغال الإِنسان بما لا يعنيه ولا يهمه . أو هو الاستمتاع بملذات الدنيا .
واللعب : العبث . وهو فعل لا يقصد به مقصد صحيح .
أى : أن هذه الحياة الدنيا ، وما فيها من حطام ، تشبه فى سرعة انقضائها وزوال متعها ، الأشياء التى يلهو بها الأطفال ، يجتمعون عليها وقتاً ، ثم ينفضون عنها .
أما الدار الآخرة ، فهى دار الحياة الدائمة الباقية ، التى لا يعقبها موت ، ولا يعتريها فناء ولا انقضاء .
ولفظ " الحيوان " مصدر حى . سمى به ذو الحياة ، والمارد به هنا : نفس الحياة الحقة .
وقوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أى : لو كانوا يعلمون حق العلم ، لما آثروا متع الدنيا الفانية على خيرات الآخرة الباقية .
وبمناسبة الحديث عن الحياة في الأرض وعن الرزق والبسط فيه والقبض ، يضع أمامه الميزان الدقيق للقيم كلها . فإذا الحياة الدنيا بأرزاقها ومتاعها لهو ولعب حين تقاس بالحياة في الدار الآخرة :
( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ، لو كانوا يعلمون ) . .
فهذه الحياة الدنيا في عمومها ليست إلا لهوا ولعبا حين لا ينظر فيها إلى الآخرة . حين تكون هي الغاية العليا للناس . حين يصبح المتاع فيها هو الغاية من الحياة . فأما الحياة الآخرة فهي الحياة الفائضة بالحيوية . هي( الحيوان )لشدة ما فيها من الحيوية والامتلاء .
والقرآن لا يعني بهذا أن يحض على الزهد في متاع الحياة الدنيا والفرار منه وإلقائه بعيدا . إن هذا ليس روح الإسلام ولا اتجاهه . إنما يعني مراعاة الآخرة في هذا المتاع ، والوقوف فيه عند حدود الله . كما يقصد الاستعلاء عليه فلا تصبح النفس أسيرة له ، يكلفها ما يكلفها فلا تتأبى عليه ! والمسألة مسألة قيم يزنها بميزانها الصحيح . فهذه قيمة الدنيا وهذه قيمة الآخرة كما ينبغي أن يستشعرها المؤمن ؛ ثم يسير في متاع الحياة الدنيا على ضوئها ، مالكا لحريته معتدلا في نظرته : الدنيا لهو ولعب ، والآخرة حياة مليئة بالحياة .
يقول تعالى مخبرا عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها ، وأنها لا دوام لها ، وغاية ما فيها لهو ولعب : { وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ } أي : الحياة الدائمة الحق الذي لا زوال لها ولا انقضاء ، بل هي مستمرة أبد الآباد .
وقوله : { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } أي : لآثروا ما يبقى على ما يفنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.