ثم بين الله أن هؤلاء قد سبقهم غيرُهم قبلَهم من يهودِ بني قينقاع الذين كانوا حول المدينة وغزاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأجلاهم عنها { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
وحالُنا اليومَ مع اليهود مثلُ حالهم في السابق ، فهم في الظاهر أقوياء ، عندهم أسلحة كثيرة وطائرات حديثة وصواريخ ودبابات ، وهذا كله ليس سرَّ قوتهم ، وإنما سرُّ قوتهم خذلانُنا نحن وتفرُّقُ كلمتنا ، ومحاربة بعضنا بعضا . فلو عدنا إلى ديننا وجمعْنا شملنا واتحدنا وأعددنا العدة بقدر ما نستطيع - لهزمنا اليهود ، فإنّ بأسهم بينهم شديد وقلوبهم شتى ، ومجتمعهم متفكك مملوء بالجريمة والفِسق والقذارة التي ليس لها مثيل . فمتى يفيق العربُ من سباتهم ويوحدون صفوفهم ! لو اجتمعت العراق وسوريا والأردن وفلسطين اجتماعا حقيقيا لكفى هذا ، وبإمكانهم وحدهم أن يهزموا اليهود ويستعيدوا أرضهم وكرامتهم .
وعدم نصر من وعدهم بالمعاونة { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا } وهم كفار قريش الذين زين لهم الشيطان أعمالهم ، وقال : { لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ [ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ ] } الآية .
فغرتهم أنفسهم ، وغرهم من غرهم ، الذين لم ينفعوهم ، ولم يدفعوا عنهم العذاب ، حتى أتوا " بدرا " بفخرهم وخيلائهم ، ظانين أنهم مدركون برسول الله والمؤمنين أمانيهم .
فنصر الله رسوله والمؤمنين عليهم ، فقتلوا كبارهم وصناديدهم ، وأسروا من أسروا منهم ، وفر من فر ، وذاقوا بذلك وبال أمرهم وعاقبة شركهم وبغيهم ، هذا في الدنيا ، { وَلَهُمْ } في الآخرة عذاب النار .
قوله تعالى : { كمثل الذين من قبلهم } يعني : مثل هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم ، { قريباً } يعني مشركي مكة ، { ذاقوا وبال أمرهم } يعني القتل ببدر ، وكان ذلك قبل غزوة بني النضير ، قاله مجاهد . وقال ابن عباس : كمثل الذين من قبلهم يعني بني قينقاع . وقيل : مثل قريظة كمثل بني النضير وكان بينهما سنتان { ولهم عذاب أليم } .
{ كمثل الذين من قبلهم قريبا } أي : هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم يعني يهود بني قينقاع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلاهم عن المدينة قبل بني النضير فكانوا أمثالهم وقيل : يعني أهل بدر الكفار ، فإنهم قبلهم ومثلا لهم في أن غلبوا وقهروا والأول أرجح لأن قوله : { قريبا } يقتضي أنهم كانوا قبلهم بمدة يسيرة وذلك أوقع على بني قينقاع وأيضا فإن تمثيل بني النضير ببني قينقاع أليق لأنهم يهود مثلهم ، وأخرجوا من ديارهم كما فعل بهم وذلك هو المراد بقوله : { ذاقوا وبال أمرهم } وقريبا ظرف زمان .
ولما كان الإخبار بعدم عقلهم دعوى دل عليها {[64073]}بأمر مشاهد{[64074]} فقال : { كمثل } أي قصتهم في عدم فقههم بل عقلهم الذي نشأ عنه إخراجهم هذا وما{[64075]} سببه من مكرهم وغدرهم{[64076]} واعتمادهم على ابن أبيّ ومن معه من المنافقين كمثل قصة { الذين من قبلهم } ولما كان إدخال الجار مع دلالته على عدم استغراق زمان القبل يدل على قرب الزمن{[64077]} ، صرح به فقال : { قريباً } وهم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما بنو قينقاع من أهل دينهم اليهود أظهروا بأساً شديداً عند ما قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم غزوة بدر فوعظهم وحذرهم بأس{[64078]} الله فقالوا : لا يغرنك{[64079]} يا محمد أنك لقيت قوماً{[64080]} أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم ، وأما والله لو قاتلتنا{[64081]} لعلمت أنا نحن الناس ، ثم مكروا بامرأة من المسلمين فأرادوها على كشف وجهها فأبت فعقدوا طرف ثوبها من تحت خمارها ، فلما قامت انكشفت سوأتها{[64082]} فصاحت فغار لها شخص من الصحابة رضي الله عنهم ، فقتل اليهودي الذي عقد ثوبها فقتلوه ، فانتقض عهدهم ، فأنزل النبي صلى الله عليه وسلم بساحتهم جنود الله فأذلهم{[64083]} الله ونزلوا من حصنهم على حكمه صلى الله عليه وسلم وقد كانوا حلفاء{[64084]} ابن أبيّ ، ولم يغن عنهم شيئاً غير أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في{[64085]} أن لا يقتلهم وألح عليه حتى كف عن قتلهم فذهبوا عن المدينة الشريفة بأنفسهم من غير حشر لهم بالإلزام بالجلاء .
ولما كان كأنه قيل : ما كان{[64086]} خبرهم ؟ قال : { ذاقوا وبال } أي وخامة وسوء عاقبة { أمرهم } في الدنيا{[64087]} وهو كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحزبه الذين هم حزب{[64088]} الله ، وسماه أمراً لأنه مما ائتمروا فيه { ولهم } أي في الآخرة { عذاب أليم * } أي شديد الإيلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.