تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

ما عليهم من سبيل : ما عليهم عقاب .

ثم بين الله تعالى أن الإنسان إذا انتصر لنفسه ممن ظَلَمه فلا سبيلَ عليه ،

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

{ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أي : انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه { فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } أي : لا حرج عليهم في ذلك .

ودل قوله : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ } وقوله : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أنه لا بد من إصابة البغي والظلم ووقوعه .

وأما إرادة البغي على الغير ، وإرادة ظلمه من غير أن يقع منه شيء ، فهذا لا يجازى بمثله ، وإنما يؤدب تأديبا يردعه عن قول أو فعل صدر منه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

الرابعة- قوله تعالى : " ولمن انتصر بعد ظلمه " أي المسلم إذا انتصر من الكافر فلا سبيل إلى لومه ، بل يحمد على ذلك مع الكافر . ولا لوم إن انتصر الظالم من المسلم ، فالانتصار من الكافر حتم ، ومن المسلم مباح ، والعفو مندوب .

الخامسة- في قوله تعالى : " فأولئك ما عليهم من سبيل " دليل على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه . وهذا ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون قصاصا في بدن يستحقه آدمي ، فلا حرج عليه إن استوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحكام ، لكن يزجره الإمام في تفوته بالقصاص لما فيه من الجرأة على سفك الدم . وإن كان حقه غير ثابت عند الحاكم فليس عليه فيما بينه وبين الله حرج ، وهو الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ ومعاقب . القسم الثاني : أن يكون حد الله تعالى لاحق لآدمي فيه كحد الزنى وقطع السرقة ، فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه ، وإن ثبت عند حاكم نظر ، فإن كان قطعا في سرقة سقط به الحد لزوال العضو المستحق قطعه ، ولم يجب عليه في ذلك حق لأن التعزير أدب ، وإن كان جلدا لم يسقط به الحد لتعديه مع بقاء محله فكان مأخوذا بحكمه . القسم الثالث : أن يكون حقا في مال ، فيجوز لصاحبه أن يغالب على حقه حتى يصل إليه إن كان ممن هو عالم به ، وإن كان غير عالم نظر ، فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له الاستسرار بأخذه . وإن كان لا يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه من عدم بينة تشهد له ففي جواز استسراره بأخذه مذهبان : أحدهما : جوازه ، وهو قول مالك والشافعي . الثاني : المنع ، وهو قول أبي حنيفة .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

{ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } ، لأنه لما قاتلته الفئة الباغية قاتلها انتصارا للحق ، وانظر كيف سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقاتلين لعلي الفئة الباغية حسبما ورد في الحديث الصحيح أنه قال لعمار بن ياسر : " تقتلك الفئة الباغية " فذلك هو البغي الذي أصابه وقوله : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } إشارة إلى فعل الحسن بن علي حين بايع معاوية ، وأسقط حق نفسه ليصلح أحوال المسلمين ، ويحقن دماءهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسن " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " .

وقوله : { ولمن انتصر بعد ظلمه } ، فأولئك ما عليهم من سبيل إشارة إلى انتصار الحسين بعد موت الحسن ، وطلبه للخلافة وانتصاره من بني أمية .

وقوله : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس } إشارة إلى بني أمية ، فإنهم استطالوا على الناس كما جاء في الحديث عنهم ، " أنهم جعلوا عباد الله حولا ومال الله دولا ويكفيك من ظلمهم أنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب على منابرهم " ، وقوله : { ولمن صبر وغفر } الآية : إشارة إلى صبر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على ما نالهم من الضر والذل ، طول مدة بني أمية { وجزاء سيئة سيئة مثلها } سمى العقوبة باسم الذنب وجعلها مثلها تحرزا من الزيادة عليها .

{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله } هذا يدل على أن العفو عن الظلمة أفضل من الانتصار ، لأنه ضمن الأجر في العفو ، وذكر الانتصار بلفظ الإباحة في قوله : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } وقيل : إن الانتصار أفضل ، والأول أصح فإن قيل : كيف ذكر الانتصار في صفات المدح في قوله : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } والمباح لا مدح فيه ولا ذم ، فالجواب : من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن المباح قد يمدح لأنه قيام بحق لا بباطل .

والثاني : أن مدح الانتصار لكونه مكان بعد الظلم تحرزا ممن بدأ بالظلم فكأن المدح إنما هو بترك الابتداء بالظلم .

والثالث : إن كانت الإشارة بذلك إلى علي بن أبي طالب حسبما ذكرنا فانتصاره محمود ، لأن قتال أهل البغي واجب لقوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي } [ الحجرات : 9 ] .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

ولما كان هذا ساداً لباب الانتصار لما يشعر به من أنه ظلم على كل ، قال مؤكداً نفياً لهذا الإشعار : { ولمن انتصر } أي سعى في نصر نفسه بجهده { بعد ظلمه } أي بعد ظلم الغير له وليس قاصد البعد عن حقه ولو استغرق انتصاره جميع زمان البعد .

ولما بين تعالى ما لذلك الناظر في مصالح العباد المنسلخ من خط نفسه إحساناً إلى عباد الله من الرتبة العليا ، بين ما لهذا الذاب عن نفسه القاصد لشفاء صدره وذهاب غيظه ، فقال رابطاً للجزاء بفاء السبب بياناً لقصور نظره على دفع الظلم عن نفسه ، ويجوز كون { من } موصولة والفاء لما للموصول من شبه الشرط .

ولما عبر أولاً بالإفراد فكان ربما قصر الإذن على الواحد لئلا تعظم الفتنة ، جمع إشارة إلى أن الفتنة إنما هي في إقرار الظلم لا في نصر المظلوم واحداً كان أو جماعة فقال : { فأولئك } أي المنتصرون لأجل دفع ظلم الظالم عنهم فقط { ما عليهم } وأكد بإثبات الجار فقال : { من سبيل * } أي عقاب ولا عتاب ، وروى النسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما علمت حتى دخلت عليَّ زينب رضي الله عنها بغير إذن وهي غضبى ثم أقبلت عليّ فأعرضت عنها حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : دونك فانتصري ، فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فيها ما ترد عليّ شيئاً ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه " .