هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ أي أنهم لإلفهم الكفر لا يؤمنون بك ، إنما يؤمن بك وبالقرآن المتدبرون له والمتعظون به ، وهم الذين إذا قرئ عليهم القرآن " خروا سجدا " قال ابن عباس : ركعا . قال المهدوي : وهذا على مذهب من يرى الركوع عند قراءة السجدة ، واستدل بقوله تبارك وتعالى : " وخر راكعا وأناب " {[12671]} [ ص : 24 ] . وقيل : المراد به السجود ، وعليه أكثر العلماء ، أي خروا سجدا لله تعالى على وجوههم تعظيما لآياته وخوفا من سطوته وعذابه . " وسبحوا بحمد ربهم " أي خلطوا التسبيح بالحمد ، أي نزهوه وحمدوه ، فقالوا في سجودهم : سبحان الله وبحمده ، سبحان ربي الأعلى وبحمده ، أي تنزيها لله تعالى عن قول المشركين . وقال سفيان : " وسبحوا بحمد ربهم " أي صلوا حمدا لربهم . " وهم لا يستكبرون " عن عبادته . قاله يحيى بن سلام . النقاش : " لا يستكبرون " كما استكبر أهل مكة عن السجود .
ولما كان قوله تعالى : { بل هم بلقاء ربهم كافرون } قد أشار إلى أن الحامل لهم على الكفر الكبر ، وذكر سبحانه أنه قسم الناس قسمين لأجل الدارين ، تشوفت النفس إلى ذكر علامة أهل الإيمان كما ذكرت علامة أهل الكفران ، فقال معرفاً أن المجرمين لا سبيل إلى إيمانهم{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه }[ الأنعام : 28 ] : { إنما يؤمن بآياتنا } الدالة على عظمتنا { الذين إذا ذكروا بها } من أيّ مذكر كان ، في أيّ وقت كان ، قبل كشف الغطاء وبعده { خروا سجداً } أي بادروا إلى السجود مبادرة من كأنه سقط من غير قصد ، خضعاً لله من شدة تواضعهم وخشيتهم وإخباتهم له خضوعاً ثابتاً دائماً { وسبحوا } أي أوقعوا التنزيه عن كل شائبة نقص من ترك البعث المؤدي إلى تضييع الحكمة ومن غيره متلبسين{[54763]} { بحمد } {[54764]}ولفت الكلام إلى الصفة المقتضية لتنزيههم وحمدهم تنبيهاً لهم فقال{[54765]} : { ربهم } أي بإثباتهم له الإحاطة بصفات الكمال ، ولما تضمن هذا تواضعهم ، صرح به في قوله : { وهم لا يستكبرون } أي لا يجددون طلب الكبر عن شيء مما دعاهم إليه {[54766]}الهادي ولا يوجدونه{[54767]} خلقاً لهم راسخاً في ضمائرهم .
قوله تعالى : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ( 15 ) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( 16 ) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
ذلك إطراء من الله لعباده الصالحين ، أولي الطبائع السليمة والفِطَر المستقيمة الذين يصدقون بآيات ربهم ، وإذا وُعظوا بها لانت قلوبهم لذكر الله وآياته ، وأجهشوا في الخشوع والانفعال ، وبادروا الخرور ساجدين لله ، ونزهوه سبحانه عما لا يليق به من النقائص ومعيب الصفات ، وأثنوا عليه حامدين له { وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ } أي عن الإيمان بالله وعن طاعته والتزام شرعه وأوامره ، بل إنهم يستجيبون لله طائعين مخبتين ، لا يثنون ولا يترددون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.