الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ} (55)

" فأُطْلِعَ " بقطع الألف مخففة على معنى هل أنتم مقبلون ، فأقبل . قال النحاس : " فأطلع فرآه " فيه قولان : أحدهما أن يكون فعلا مستقبلا معناه فأطلع أنا ، ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام . والقول الثاني أن يكون فعلا ماضيا ويكون اطلع وأطلع واحدا . قال الزجاج : يقال طلع وأطلع واطلع بمعنى واحد . وقد حكى " هل أنتم مطلعون " بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره . النحاس : وهو لحن لا يجوز ؛ لأنه جمع بين النون والإضافة ، ولو كان مضافا لكان هل أنتم مطلعي ، وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله ، وأنشدا :

هم القائلون الخيرَ والآمِرُونَهُ *** إذا ما خَشَوا من مُحْدِثِ الأمرِ مُعْظَمَا

وأنشد الفراء : والفاعلونه . وأنشد سيبويه وحده :

ولم يرتفق والناس محتضِرُونَه{[13257]}

وهذا شاذ خارج عن كلام العرب ، وما كان مثل هذا لم يحتج به في كتاب الله عز وجل ، ولا يدخل في الفصيح . وقد قيل في توجيهه : إنه أجرى اسم الفاعل مجرى المضارع لقربه منه ، فجرى " مطلعون " مجرى يطلعون . ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد :

أرأيت إن جئت به أُمْلُودَا *** مُرَجَّلاً ويلبسُ البُرُودَا

أقائلُنْ أحضِروا{[13258]} الشُّهودا

فأجرى أقائلن مجرى أتقولن . وقال ابن عباس في قوله تعالى : " هل أنتم مطلعون . فاطلع فرآه " إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلها . وكذلك قال كعب فيما ذكر ابن المبارك ، قال : إن بين الجنة والنار كوى ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض الكوى ، قال الله تعالى : " فاطلع فرآه في سواء الجحيم " أي في وسط النار والحسك حواليه . قاله ابن مسعود . ويقال : تعبت حتى انقطع سوائي : أي وسطي . وعن أبي عبيدة : قال لي عيسى بن عمر : كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سوائي . وعن قتادة قال : قال بعض العلماء : لولا أن الله جل وعز عرفه إياه لما عرفه ، لقد تغير حبره وسبره{[13259]} .


[13257]:تمامه: * جميعا وأيدي المعتفين رواهقه* يقول: غشيه المعتفون وهم السائلون، واحتضره الناس جميعا للعطاء، فجلس لهم جلوس متصرف متبذل غير مرتفق.
[13258]:وروي: أحضري، خطاب للمرأة، وهو الوجه، على ما أورده الرضي في خزانة الأدب حيث قال: ورواه العيني أحضروا بواو الجمع ولا وجه له. والرجز أورده السكري في أشعار هذيل لرجل منهم بلفظ: أقائلون أعجلي الشهودا.
[13259]:الحبر والسبر: اللون والهيئة.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ} (55)

ولما كان المحدث عنه المخلصين ، وهم أهل الجنة كلهم أو جلهم ، وكان الضمير يعود لما سبقه بعينه ، وكان مخاطبو هذا القائل إنما هم شربه ، وكان من المعلوم مما مضى من التقابل والتواد والتواصل بالمنادمة والتساؤل أنهم ينتدبون ندبهم إليه ويقبلون قطعاً عليه ، وكان النافع لنا إنما هو قوله فقط في توبيخ عدوه وتغبيط نفسه ووليه ، لم يجمع الضمير لئلا يلبس فيوهم أنه للجميع ، وأعاده عليه وحده لنعتبر بمقاله ، ونتعظ بما قص علينا من حاله فقال : { فاطلع } أي بسبب ما رأى لنفسه في ذلك من عظيم اللذة ، إلى أهل النار { فرآه } أي ذلك القرين السوء { في سواء الجحيم * } أي في وسطها وغمرتها تضطرم عليه أشد اضطرام بما كان يضرم في قلبه في الدنيا من الحر كلما قال له ذلك المقال ، وسمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب كمركز الدائرة ،

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ} (55)

قوله : { فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ } أي رأى قرينه في وسط الجحيم .