في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (51)

46

وهؤلاء الذين يطلبون الخوارق يغفلون عن تقدير فضل الله عليهم بتنزيل هذا القرآن :

( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ؛ إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) . .

وإنه للبطر بنعمة الله ورعايته التي تجل عن الشكر والتقدير . أو لم يكفهم أن يعيشوا مع السماء بهذا القرآن ? وهو يتنزل عليهم ، يحدثهم بما في نفوسهم ، ويكشف لهم عما حولهم ؛ ويشعرهم أن عين الله عليهم ، وأنه معني بهم حتى ليحدثهم بأمرهم ، ويقص عليهم القصص ويعلمهم . وهم هذا الخلق الصغير الضئيل التائه في ملكوت الله الكبير . وهم وأرضهم وشمسهم التي تدور عليها أرضهم . . ذرات تائهة في هذا الفضاء الهائل لا يمسكهن إلا الله . والله بعد ذلك يكرمهم حتى لينزل عليهم كلماته تتلى عليهم . ثم هم لا يكتفون !

( إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) . .

فالذين يؤمنون هم الذين يجدون مس هذه الرحمة في نفوسهم ، وهم الذين يتذكرون فضل الله وعظيم منته على البشرية بهذا التنزيل ؛ ويستشعرون كرمه وهو يدعوهم إلى حضرته وإلى مائدته وهو العلي الكبير . وهم الذين ينفعهم هذا القرآن ، لأنه يحيا في قلوبهم ، ويفتح لهم عن كنوزه ويمنحهم ذخائره ، ويشرق في أرواحهم بالمعرفة والنور .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (51)

قوله : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } أو لم يكف هؤلاء المشركين المعاندين الذين يسألون الآيات والمعجزات ما أنزلناه عليك من آيات بينات باهرات ، وهو القرآن الكريم . هذا الكتاب المعجز الباهر الذي حوى من الأنباء والأحكام والعلوم والمشاهد والقَصَص وأخبار الدنيا والآخرة ما يدهش اللب ويشدَهُ الحس ويثير العجب في البال والخيال .

أو لم يكفهم هذا الكتاب المجيد الذي جاء حافلا بظواهر شتى من وجوه الإعجاز مما لم يأت على مثله أو هيئته في تاريخ العالمين كتاب .

لا جرم أن معجزة القرآن تفوق كل المعجزات ، وفيها من الأدلة القواطع على نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى صدق هذا الكتاب وأنه منزل من عند الله .

قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } المراد باسم الإشارة : القرآن ، فإنه فيه رحمة للبشرية في الدنيا ؛ إذ يخرجهم من ظلمات الشر والباطل والمرض بكل صوره وأسمائه إلى نور الحق والعدل والمودة والمساواة . وهو كذلك رحمة لهم في الآخرة ؛ فإنه منجاة لهم من ويلات يوم القيامة وأهوالها وشدائدها . وكذلك فإن القرآن ذكرى { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي تذكرة لهم ، باقية على مرّ الزمن فيتعظون بها ويتدبرون ما فيها من جليل المعاني والأحكام والعبر .