في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (44)

14

ثم يربط تلك الحقيقة الضخمة التي قدمها بالحق الكبير في تصميم هذا الكون كله على طريقة القرآن في ربط كل حقيقة بذلك الحق الكبير :

( خلق الله السماوات والأرض بالحق . إن في ذلك لآية للمؤمنين ) . .

وهكذا تجيء هذه الآية عقب قصص الأنبياء ، وعقب المثل المصور لحقيقة القوى في الوجود ، متناسقة معها مرتبطة بها ، بتلك الصلة الملحوظة . صلة الحقائق المتناثرة كلها بالحق الكامن في خلق السماوات والأرض ؛ والذي قامت به السماوات والأرض ، في ذلك النظام الدقيق الذي لا يتخلف ولا يبطئ ولا يختلف ولا يصدم بعضه بعضا ، لأنه حق متناسق لا عوج فيه !

( إن في ذلك لآية للمؤمنين ) . .

الذين تتفتح قلوبهم لآيات الله الكونية المبثوثة في تضاعيف هذا الكون وحناياه ، المشهودة في تنسيقه وتنظيمه ، المنثورة في جوانبه حيثما امتدت الأبصار . والمؤمنون هم الذين يدركونها ، لأنهم مفتوحو البصائر والمشاعر للتلقي والإدراك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (44)

نبه في ذكر خلق { السماوات والأرض } على أمر يوقع الذهن على صغر قدر الأوثان وكل معبود من دون الله ، وقوله تعالى : { بالحق } أي بالواجب النير لا للعبث واللعب ، بل ليدل على سلطانه ويثبت شرائعه ويضع الدلالات لأهلها ويعم بالمنافع إلى غير ذلك مما لا يحصى عداً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (44)

بعد أن بيّن الله تعالى عدم انتفاع المشركين بالحجة ومقدماتها ونتائجها الموصلة إلى بطلان إلهية الأصنام مستوفاة مغنية لمن يريد التأمل والتدبر في صحة مقدماتها بإنصاف نُقل الكلام إلى مخاطبة المؤمنين لإفادة التنويه بشأن المؤمنين إذ انتفعوا بما هو أدق من ذلك وهو حالة النظر والفكر في دلالة الكائنات على أن خالقها هو الله ، وأن لا شيء غيره حقيقاً بمشاركته في إلهيته ، فأفاد أن المؤمنين قد اهتدوا إلى العلم ببطلان إلهية الأصنام خلافاً للمشركين الذين لم يهتدوا بذلك . فأفهم ذلك أن من لم يعقلوها ليسوا بعالمين أخذاً من مفهوم الصفة في قوله { للمؤمنين } إذا اعتبر المعنى الوصفي من قوله { للمؤمنين } ، أو أخذاً من الاقتصار على ذكر المؤمنين في قوله { إن في ذلك لآية للمؤمنين } إذا اعتبر عنوان المؤمنين لقباً .

والاقتصار عند ذكر دليل الوحدانية على انتفاع المؤمنين بتلك الدلالة المفيد بأن المشركين لم ينتفعوا بذلك يشبه الاحتباك بين الآيتين .

والباء في { بالحق } للملابسة ، أي خلقهما على أحوالهما كلها بما ليس بباطل . والباطل في كل شيء لا وفاء فيه بما جُعل هو له . وضد الباطل الحق ، فالحق في كل عمل هو إتقانه وحصول المراد منه ، قال تعالى { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلاً } [ ص : 27 ] .

والمراد بالسماوات والأرض ما يشمل ذاتهما والموجودات المظروفة فيهما . وهذا الخلق المتقن الذي لا تقصير فيه عما أريد منه هو آية على وحدانية الخالق وعلى صفات ذاته وأفعاله .