مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (44)

ثم إنه تعالى لما أمر الخلق بالإيمان وأظهر الحق بالبرهان ولم يأت الكفار بما أمرهم به وقص عليهم قصصا فيها عبر ، وأنذرهم على كفرهم بإهلاك من غبر ، وبين ضعف دليلهم بالتمثيل ، ولم يهتدوا بذلك إلى سواء السبيل ، وحصل يأس الناس عنهم سلى المؤمنين بقوله { خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين } يعني إن لم يؤمنوا هم لا يورث كفرهم شكا في صحة دينكم ، ولا يؤثر شكهم في قوة يقينكم ، فإن خلق الله السماوات والأرض بالحق للمؤمنين بيان ظاهر ، وبرهان باهر ، وإن لم يؤمن به على وجه الأرض كافر ، وفي الآية مسألة يتبين بها تفسير الآية ، وهي أن الله تعالى كيف خص الآية في خلق السماوات والأرض بالمؤمنين مع أن في خلقهما آية لكل عاقل كما قال الله تعالى : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } وقال الله تعالى : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار } إلى أن قال { لآيات لقوم يعقلون } فنقول خلق السماوات والأرض آية لكل عاقل وخلقهما بالحق آية للمؤمنين فحسب ، وبيانه من حيث النقل والعقل ، أما النقل فقوله تعالى : { ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } أخرج أكثر الناس عن العلم يكون خلقهما بالحق مع أنه أثبت علم الكل بأنه خلقهما حيث قال : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } وأما العقل فهو أن العاقل أول ما ينظر إلى خلق السماوات والأرض ويعلم أن لهما خالقا وهو الله ثم من يهديه الله لا يقطع النظر عنهما عند مجرد ذلك ، بل يقول إنه خلقهما متقنا محكما وهو المراد بقوله { بالحق } ، لأن ما لا يكون على وجه الإحكام يفسد ويبطل فيكون باطلا ، وإذا علم أنه خلقهما متقنا يقول إنه قادر كامل حيث خلق وعالم علمه شامل حيث أتقن فيقول لا يعزب عن علمه أجزاء الموجودات في الأرض ولا في السماوات ولا يعجز عن جمعها كما جمع أجزاء الكائنات والمبدعات ، فيجوز بعث من في القبور وبعثة الرسول ، ويعلم وحدانية الله لأنه لو كان أكثر من واحد لفسدتا ولبطلتا وهما بالحق موجودان فيحصل له الإيمان بتمامه ، من خلق ما خلقه على أحسن نظامه .