في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا} (113)

99

( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ) . كذلك على هذا النسق نوعنا في القرآن من صور الوعيد ومواقفه ومشاهده لعله يستجيش في نفوس المكذبين شعور التقوى ، أو يذكرهم بما سيلقون في الآخرة فينزجروا . . فذلك إذ يقول الله في أول السورة . ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى ) . .

ولقد كان الرسول [ ص ] يلاحق الوحي فيردد ألفاظ القرآن وآياته قبل أن ينتهي الوحي مخافة أن ينسى . وكان ذلك يشق عليه . فأراد ربه أن يطمئن قلبه على الأمانة التي يحملها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا} (113)

{ وكذلك } عطف على كذلك نقص أي مثل ذلك الإنزال أو مثل إنزال هذه الآيات المتضمنة للوعيد . { أنزلناه قرآنا عربيا } كله على هذه الوتيرة . { وصرفنا فيه من الوعيد } مكررين فيه آيات الوعيد . { لعلهم يتقون } المعاصي فتصير التقوى لهم ملكة . { أو يحدث لهم ذكرا } عظة واعتبارا حين يسمعونها فتثبطهم عنها ، ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم والإحداث إلى القرآن .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا} (113)

عطف على جملة { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } [ طه : 99 ] ، والغرض واحد ، وهو التنويه بالقرآن . فابتدىء بالتنويه به جزئياً بالتنويه بقصصه ، ثمّ عطف عليه التنويه به كليّاً على طريقة تشبه التذييل لما في قوله { أنزلناه قرآناً عربياً } من معنى عموم ما فيه .

والإشارة ب { كذلك } نحوُ الإشارة في قوله { كذلك نقص عليك } ، أي كما سمعته لا يُبين بأوضح من ذلك .

و { قرآناً } حال من الضمير المنصوب في { أنزلناه } . وقرآن تسمية بالمصدر . والمراد المقروء ، أي المتلو ، وصار القرآن علماً بالغلبة على الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بألفاظ معينة متعبّداً بتلاوتها يعجز الإتيان بمثل سورة منها . وسمي قرآناً لأنه نظم على أسلوب تسهل تلاوته . ولوحظ هنا المعنى الاشتقاقي قبل الغلبة وهو ما تفيده مادة قرأ من يسر تلاوته ؛ وما ذلك إلاّ لفصاحة تأليفه وتناسب حروفه . والتنكير يفيد الكمال ، أي أكمل ما يقرأ .

و { عربياً } صفة { قرآناً } . وهذا وصف يفيد المدح ، لأنّ اللغة العربية أبلغ اللّغات وأحسنها فصاحة وانسجاماً . وفيه تعريض بالامتنان على العرب ، وتحميق للمشركين منهم حيث أعرضوا عنه وكذبوا به ، قال تعالى : { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون } [ الأنبياء : 10 ] .

والتصريف : التنويع والتفنين . وقد تقدّم عند قوله تعالى : { انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون } في سورة الأنعام ( 46 ) ، وقوله { ولقد صرفنا } في هذا القرآن ليذكروا في سورة الإسراء ( 41 ) . v

وذكر الوعيد هنا للتهديد ، ولمناسبة قوله قبله { وقد خاب من حمل ظلماً } [ طه : 111 ] .

والتقوى : الخوف . وهي تستعمل كناية عن الطاعة لله ، أي فَعلْنا ذلك رجاء أن يؤمنوا ويطيعوا . والذكر هنا بمعنى التذكر ، أي يُحدث لهم القرآن تذكراً ونظراً فيما يحق عليهم أن يختاروه لأنفسهم .

وعبر ب { يحدث } إيماء إلى أن الذكر ليس من شأنهم قبل نزول القرآن ، فالقرآن أوجد فيهم ذكراً لم يكن من قبل ، قال ذو الرمة :

ولما جرت في الجزل جرياً كأنه *** سنا الفجر أحدثنا لخالقها شُكراً

و ( لعل ) للرجاء ، أي إن حال القرآن أن يقرّب الناس من التقوى والتذكر ، بحيث يمثَّل شأن من أنزله وأمر بما فيه بحال من يرجو فيلفظ بالحرف الموضوع لإنشاء الرجاء . فحرف ( لعل ) استعارة تبعية تنبىء عن تمثيلية مكنية ، وقد مضى معنى ( لعل ) في القرآن عند قوله تعالى : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } في سورة البقرة ( 21 ) .