اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا} (113)

قوله : { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ } نسق على { كَذَلِكَ نَقُصُّ } {[26977]} قال الزمخشري " ومثل ذلك الإنزال وكما أَنْزَلْنَا عليك هؤلاء الآيات أنزلنا القرآن كلَّه على هذه الوتيرة{[26978]} .

وقال غيره{[26979]} : والمَعْنَى كما قدَّرنا هذه الأمور وجعلناها حقيقة بالمرصاد للعباد{[26980]} كذلك حذَّرْنَا هؤلاء أمرها{[26981]} ، { أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } لتفهمه العرب فيقفوا على إعجازه ونظمه ، وخروجه عن الكلام البشري{[26982]} .

{ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد } أي : كرَّرْنَاهُ وفصَّلْنَاهُ .

قوله : { مِنَ الوَعِيدِ } صفة لمَفْعُولٍ محذوف ، أي : صرَّفنا في القرآن{[26983]} وعيداً من الوعيد ، والمراد به الجنس .

ويجوز أن تكون " مِنَ " مزيدة على رأي الأخفش{[26984]} في المفعول به ، والتقدير : وصرَّفنا فيه الوعيد " لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون " أي{[26985]} يجتنبون الشرك . { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } أي : يجدد لهم القرآن عبرة وعظة .

وقرأ الحسن : " أَوْ يُحْدِثْ " كالجماعة إلا أنه سكَّن لام الفعل وعبد الله والحسن أيضاً في رواية ومجاهد وأبو حيوة " نُحْدِثْ " بالنون ، وتسكين اللام أيضاً{[26986]} .

( وخُرِّجَ علَى ){[26987]} إجراء الوصل{[26988]} مجرى الوقف ، أو على تسكين الفعل استثقالاً للحركة ، كقول{[26989]} امرئ القيس :

فَاليَوْمَ أَشْرَبُ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ{[26990]} *** . . .

وقول جرير :

أَوْ نَهْرُ تِيرَى فَلاَ تَعْرِفُكُمُ العَربُ{[26991]} *** . . .

وقد فعله كما تقدم أبو عمر في الراء خاصة{[26992]} نحو " يَنْصُرُكُم " {[26993]} .

وقرئ : " تُحدث " بتاء ( الخطاب{[26994]} ){[26995]} أي{[26996]} : تُحدث أنتَ{[26997]} .

( قوله : { أَوْ يُحْدِثُ } ){[26998]} فيه سؤالات{[26999]} :

الأول : كيف يكون محدثاً للذكر ؟ والجواب : لمّا حصل الذكر عند قراءته أضيفَ إليه .

الثاني : لِمَ أضيفَ الذكر إلى القرآن ، وما أضيفت التقوى إليه ؟

والجواب : أنَّ{[27000]} التقوى عبارة عن{[27001]} أن لا يفعل القبيح ، وذلك استمرار على العدم الأصلي ، فلم يجز إسناده إلى القرآن ، وأمَّا حدوث الذكر فأمر حدث بعد أن لم يكن ، فجازت إضافته{[27002]} إلى القرآن .

الثالث : كلمة " أو " للمنافاة بين التقوى وحدوث الذكر ، ولا يصح الاتقاء إلا مع الذكر ، فما معناه ؟

والجواب : هذا كقول " جَالِس الحسن أو ابنَ{[27003]} سِيرين{[27004]} ، أي : ( لا تكن خالياً منهما ){[27005]} ، فكذا ههنا .

وقيل : معنى الكلام أنا أنزلنا القرآن ليتَّقوا ، فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يحدث القرآن لهم ذكراً وشرفاً وصيتاً حسناً ، وعلى التقديرين يكون إنزاله تقوى{[27006]} .


[26977]:من الآية: (99).
[26978]:الكشاف 2/448.
[26979]:وهو ابن عطية.
[26980]:في ب: والعباد. وهو تحريف.
[26981]:تفسير ابن عطية 10/97.
[26982]:الفخر الرازي 22/121.
[26983]:في ب: أي صرفنا من القرآن أي في القرآن.
[26984]:ذهب الأخفش إلى أن "من" تزاد في الإيجاب، وهي داخلة على المعرفة وهو بذلك يكون مخالفا للبصريين لأنهم يشترطون لزيادتها أن يتقدمها نفي أو شبهة وأن يكون مجرورها نكرة. ينظر شرح الكافية 2/322- 323.
[26985]:في ب: و.
[26986]:انظر البحر المحيط 6/2281.
[26987]:ما بين القوسين سقط من ب.
[26988]:في ب: وأجروا على الوصل.
[26989]:في ب: كقوله.
[26990]:صدر بيت من بحر السريع قاله امرؤ القيس، وعجزه: إثما من الله ولا واغل. وهو في ديوانه 122، الكتاب 4/204، النوادر (313)، الخصائص 1/74، 2/317، 34، 3/96، المحتسب 1/15، الكشاف 2/448، ابن يعيش 1/48، والمقرب 565، اللسان (حقب-وغل) شذور الذهب 2/2، شرح التصريح 1/88. الهمع 1/54، الخزانة 8/350، الدرر 1/32.
[26991]:عجز بيت من بحر البسيط قاله جرير، وصدره: ســيروا بـني العــمّ فالأهواز مــنـزلكم وفي النسختين (النفر) مكان (العرب).
[26992]:في ب: وقد فعله أبو عمرو في الراء كما تقدم.
[26993]:من قوله تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران: 156].
[26994]:وهي قراءة مجاهد. المختصر (90).
[26995]:ما بين القوسين في ب: للخطاب.
[26996]:في ب: أو.
[26997]:انظر الكشاف 2/448.
[26998]:ما بين القوسين سقط من ب.
[26999]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/121.
[27000]:في الأصل: لأن.
[27001]:في النسختين: على. والصواب ما أثبته.
[27002]:في ب: فجاز إسناده أي إضافته.
[27003]:في الأصل: وابن سيرين. وهو تحريف.
[27004]:الاستشهاد بهذا القول على أن (أو) بمعنى الإباحة. وهي الواقعة بعد الطلب وقيل ما يجوز فيه الجمع. انظر شرح الأشموني 3/105 – 106.
[27005]:ما بين القوسين في ب: أي لا يكون خاليا عنهما.
[27006]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/121.