في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (28)

27

وكل أولئك في حاجة إلى التضحية والصبر والاحتمال ؛ وإلى الاستعلاء على فتنة الأموال والأولاد ، وإلى التطلع إلى ما عند الله من الأجر العظيم ، المدخر لعباده الأمناء على أماناته ، الصابرين المؤثرين المضحين :

( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ، وأن الله عنده أجر عظيم ) . .

إن هذا القرآن يخاطب الكينونة البشرية ، بما يعلم خالقها من تركيبها الخفي ، وبما يطلع منها على الظاهر والباطن ، وعلى المنحنيات والدروب والمسالك !

وهو - سبحانه - يعلم مواطن الضعف في هذه الكينونة . ويعلم أن الحرص على الأموال وعلى الأولاد من أعمق مواطن الضعف فيها . . ومن هنا ينبهها إلى حقيقة هبة الأموال والأولاد . . لقد وهبها الله للناس ليبلوهم بها ويفتنهم فيها . فهي من زينة الحياة الدنيا التي تكون موضع امتحان وابتلاء ؛ ليرى الله فيها صنيع العبد وتصرفه . . أيشكر عليها ويؤدي حق النعمة فيها ? أم يشتغل بها حتى يغفل عن أداء حق الله فيها ? : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) . . فالفتنة لا تكون بالشدة وبالحرمان وحدهما . . إنها كذلك تكون بالرخاء وبالعطاء أيضا ! ومن الرخاء العطاء هذه الأموال والأولاد . .

هذا هو التنبيه الأول :

( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) . . فإذا انتبه القلب إلى موضع الامتحان والاختبار ، كان ذلك عونا له على الحذر واليقظة والاحتياط ؛ أن يستغرق وينسى ويخفق في الامتحان والفتنة .

ثم لا يدعه الله بلا عون منه ولا عوض . . فقد يضعف عن الأداء - بعد الانتباه - لثقل التضحية وضخامة التكليف ؛ وبخاصة في موطن الضعف في الأموال والأولاد ! إنما يلوّح له بما هو خير وأبقى ، ليستعين به على الفتنة ويتقوى :

( وأن الله عنده أجر عظيم ) . .

إنه - سبحانه - هو الذي وهب الأموال والأولاد . . وعنده وراءهما أجر عظيم لمن يستعلي على فتنة الأموال والأولاد ، فلا يقعد أحد إذن عن تكاليف الأمانة وتضحيات الجهاد . . وهذا هو العون والمدد للإنسان الضعيف ، الذي يعلم خالقه مواطن الضعف فيه : ( وخلق الإنسان ضعيفاً ) .

إنه منهج متكامل في الاعتقاد والتصور ، والتربية والتوجيه ، والفرض والتكليف . منهج الله الذي يعلم ؛ لأنه هو الذي خلق : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ? ) .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (28)

{ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } لأنهم سبب الوقوع في الإثم أو العقاب ، أو محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة . { وأن الله عنده أجر عظيم } لمن آثر رضا الله عليهم وراعى حدوده فيهم ، فأنيطوا هممكم بما يؤديكم إليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (28)

هذا خطاب لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة ، وهو يجمع أنواع الخيانات كلها قليلها وكثيرها ، قال الزهراوي : والمعنى لا تخونوا بغلول الغنائم ، وقال الزهراوي وعبد الله بن أبي قتادة : سبب نزولها أمر أبي لبابة ، وذلك أنه أشار لبني قريظة حين سفر إليهم إلى حلقه يريد بذلك إعلامهم أنه ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الذبح ، أي فلا تنزلوا ، ثم ندم وربط نفسه بسارية من سواري المسجد حتى تاب الله عليه ، الحديث المشهور{[5292]} ، وحكى الطبري أنه أقام سبعة أيام لا يذوق شيئاً حتى تيب عليه ، وحكي أنه كان لأبي لبابة عندهم مال وأولاد فلذلك نزلت { واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } ، وقال عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله : سببها أن رجلاً من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بن حرب بخبر من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية{[5293]} ، فقوله : { يا أيها الذين آمنوا } معناه أظهروا الإيمان ، ويحتمل أن يخاطب المؤمنين حقاً أن لا يفعلوا فعل ذلك المنافق ، وحكى الطبري عن المغيرة بن شعبة أنه قال : أنزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي الله عنه .

قال القاضي أبو محمد : يشبه أن تمثل بالآية في قتل عثمان رحمه الله ، فقد كانت خيانة لله وللرسول والأمانات ، والخيانة : التنقص للشيء باختفاء ، وهي مستعملة في أن يفعل الإنسان خلاف ما ينبغي من حفظ أمر ما ، مالاً كان أو سرّاً أو غير ذلك ، والخيانة لله تعالى هي في تنقص أوامره في سر وخيانة الرسول تنقص فقد اؤتمن على دينه وعبادته وحقوق الغير ، وقيل المعنى وتخونوا ذوي أماناتكم ، وأظن الفارسي أبا علي حكاه ، { وأنتم تعلمون } ، يريد أن ذلك لا يضر منه إلا ما كان عن تعمد .

وقوله { فتنة } يريد محنة واختباراً وابتلاء ليرى كيف العمل في جميع ذلك ، وقوله { وأن الله عنده أجر عظيم } يريد فوز الآخرة فلا تدعوا حظكم منه للحيطة على أموالكم وأبنائكم فإن المدخور للآخرة أعظم قدراً من مكاسب الدنيا .

وقوله تعالى : { وتخونوا } قال الطبري : يحتمل أن يكون داخلاً في النهي كأنه قال : لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم فمكانه على هذا جزم ، ويحتمل أن يكون المعنى لا تخونوا الله والرسول فذلك خيانة لأماناتكم فموضعه على هذا نصب على تقدير وأن تخونوا أماناتكم ، قال الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله*** عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ{[5294]}

وقرأ مجاهد وأبو عمرو بن العلاء فيما روي عنه أيضاً «وتخونوا أمانتكم » على إفراد الأمانة .


[5292]:- أخرجه سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عبد الله بن قتادة، وأخرج مثله سنيد، وابن جرير عن الزهري، وأخرجه أيضا عبد بن حميد عن الكلبي. (الدر المنثور).
[5293]:- أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله. (الدر المنثور)
[5294]:- يروي النحويون هذا البيت شاهدا على جواز النصب عاطفا على اسم مؤول بمعنى أن تكون الواو للمعية، والتقدير: "لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله". أما إعراب الآية الكريمة فيحتمل الأمرين اللذين ذكرهما ابن عطية وهما: أن يكون مجزوما عطفا على [لا تخونوا] وأن يكون منصوبا على جواب النهي، وكونه مجزوما هو الراجح، لأن النصب يقتضي النهي عن الجمع، والجزم يقتضي النهي عن كل واحد- وهناك شروط للنصب بعد هذه الواو تجدها في كتب النحو. هذا وقد اختلف النحويون في نسبة هذا البيت، فقيل: قائله أبو الأسود الدؤلي، وقيل: هو الأخطل، وقيل: المتوكل الليثي أو سابق البربري، ونسب لحسّان والطرماح، والبيت في حماسة البحتري 174، والأغاني 12/156، والمؤتلف 273، والمستقصى 2/ 260، وسيبويه 1/ 424، وابن عقيل 2/ 126، والسيوطي 264، والخزانة 3/ 617.