وعند هذا يأخذ السياق في عرض قصة البشرية ؛ وما دار في الملأ الأعلى بشأنها منذ البدء . مما يحدد خط سيرها ، ويرسم أقدارها ومصائرها . وهو ما أرسل محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ليبلغه وينذر به في آخر الزمان :
( إذ قال ربك للملائكة : إني خالق بشراً من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) . .
وما ندري نحن كيف قال الله أو كيف يقول للملائكة . وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله ولا ندري عن كنههم إلا ما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله . ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل وراء الخوض فيه . إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن .
لقد خلق الله هذا الكائن البشري من الطين . كما أن سائر الأحياء في الأرض خلقت من طين . فمن الطين كل عناصرها . فيما عدا سر الحياة الذي لا يدري أحد من أين جاء ولا كيف جاء . ومن الطين كل عناصر ذلك الكائن البشري فيما عدا ذلك السر . وفيما عدا تلك النفخة العلوية التي جعلت منه إنساناً . من الطين كل عناصر جسده . فهو من أمه الأرض . ومن عناصرها تكون . وهو يستحيل إلى تلك العناصر حينما يفارقه ذلك السر الإلهي المجهول ؛ وتفارقه معه آثار تلك النفخة العلوية التي حددت خط سيره في الحياة .
ونحن نجهل كنه هذه النفخة ؛ ولكننا نعرف آثارها . فآثارها هي التي ميزت هذا الكائن الإنساني عن سائر الخلائق في هذه الأرض . ميزته بخاصية القابلية للرقي العقلي والروحي . هي التي جعلت عقله ينظر تجارب الماضي ، ويصمم خطط المستقبل . وجعلت روحه يتجاوز المدرك بالحواس والمدرك بالعقول ، ليتصل بالمجهول للحواس والعقول .
وخاصية الارتقاء العقلي والروحي خاصية إنسانية بحتة ، لا يشاركه فيها سائر الأحياء في هذه الأرض . وقد عاصر مولد الإنسان الأول أجناس وأنواع شتى من الأحياء . ولم يقع في هذا التاريخ الطويل أن ارتقى نوع أو جنس - ولا أحد أفراده - عقلياً أو روحياً . حتى مع التسليم بوقوع الارتقاء العضوي .
لما دل على أنه نذير ، وأزال ما ربما أوردوه عليه ، أتبعه ظرف اختصام الملأ الأعلى ، أو بدل " إذ " الأولى فقال : { إذ } أي حين { قال } ودل على أنه هذا كله إحسان إليه وإنعام عليه بذكر الوصف الدال على ذلك ، ولفت القول عن التكلم إلى الخطاب لأنه أقعد في المدح وأدل على أنه كلام الله كما في قوله : { قل من كان عدواً لجبريل }[ البقرة : 97 ] دليلاً يوهم أنه ظرف ليوحى أو لنذير فقال : { ربك } أي المحسن إليك بجعلك خير المخلوقين وأكرمهم عليه فإنه أعطاك الكوثر ، وهو كل ما يمكن أن تحتاج إليه { للملائكة } وهم الملأ الأعلى وإبليس منهم لأنه كان إذ ذاك معهم وفي عدادهم . ولما كانوا عالمين بما دلهم عليه دليل من الله كما تقدم في سورة البقرة أن البشر يقع منه الفساد ، فكانوا يبعدون أن يخلق سبحانه من فيه فساد لأنه الحكيم الذي لا حكيم سواه ، أكد لهم سبحانه قوله : { إني خالق بشراً } أي شخصاً ظاهر البشرة لا ساتر له من ريش ولا شعر ولا غيرهما ليكون التأكيد دليلاً على ما مضى من مراجعتهم لله تعالى التي أشار إليها بالاختصام ، وبين أصله بقوله معلقاً بخالق أو بوصف بشر : { من طين * } اجعله خليفتي في الأرض وإن كان في ذلك فساد لأني أريد أن أظهر حلمي ورحمتي وعفوي وغير ذلك من صفاتي التي لا يحسن في الحكمة إظهارها إلا مع الذنوب " لو لم تذنبوا فتستغفروا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " قال القشيري : وإخباره للملائكة بذلك يدل على تفخيم شأن آدم عليه السلام لأنه خلق ما خلق من الكونين والجنة والنار والعرش والكرسي والملائكة ، ولم يقل في صفة شيء منها ما قاله في صفة آدم عليه السلام وأولاده ، ولم يأمر بالسجود لشيء غيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.