في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (15)

14

( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون . فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ) . .

والراجح أن فترة رسالته التي دعا فيها قومه كانت ألف سنة إلا خمسين عاما . وقد سبقتها فترة قبل الرسالة غير محددة ، وأعقبتها فترة كذلك بعد النجاة من الطوفان غير محددة . وهو عمر طويل مديد ، يبدو لنا الآن غير طبيعي ولا مألوف في أعمار الأفراد . ولكننا نتلقاه من أصدق مصدر في هذا الوجود - وهذا وحده برهان صدقه - فإذا أردنا له تفسيرا فإننا نستطيع أن نقول : إن عدد البشرية يومذاك كان قليلا ومحدودا ، فليس ببعيد أن يعوض الله هذه الأجيال عن كثرة العدد طول العمر ، لعمارة الأرض وامتداد الحياة . حتى إذا تكاثر الناس وعمرت الأرض لم يعد هناك داع لطول الأعمار وهذه الظاهرة ملحوظة في أعمار كثير من الأحياء . فكلما قل العدد وقل النسل طالت الأعمار ، كما في النسور وبعض الزواحف كالسلحفاة . حتى ليبلغ عمر بعضها مئات الأعوام . بينما الذباب الذي يتوالد بالملايين لا تعيش الواحدة منه أكثر من أسبوعين . والشاعر يعبر عن هذه الظاهرة بقوله :

بغاث الطير أكثرها فراخا وأم الصقر مقلاة نزور ومن ثم يطول عمر الصقر . وتقل أعمار بغاث الطير . ولله الحكمة البالغة . وكل شيء عنده بمقدار . ولم تثمر ألف سنة - إلا خمسين عاما - غير العدد القليل الذين آمنوا لنوح . وجرف الطوفان الكثرة العظمى وهم ظالمون بكفرهم وجحودهم وإعراضهم عن الدعوة المديدة ، ونجا العدد القليل من المؤمنين ، وهم أصحاب السفينة . ومضت قصة الطوفان والسفينة ( آية للعالمين )تحدثهم عن عاقبة الكفر والظلم على مدار القرون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (15)

وقوله : { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ } أي : الذين آمنوا بنوح عليه السلام . وقد تقدَّم ذكر ذلك مفصلا في سورة " هود " ، وتقدَّم تفسيره بما أغنى عن إعادته .

وقوله : { وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ } أي : وجعلنا تلك السفينة باقية ، إما عينها كما قال قتادة : إنها بقيت إلى أول الإسلام على جبل الجودي ، أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق ، كيف نجاهم من الطوفان ، كما قال تعالى : { وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ . وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ . إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } [ يس : 41 - 44 ] ، وقال تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ . لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [ الحاقة : 11 ، 12 ] ، وقال هاهنا : { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ } ، وهذا من باب التدريج من الشخص إلى الجنس ، كقوله تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } [ الملك : 5 ]

أي : وجعلنا نوعها ، فإن التي يرمى{[22515]} بها ليست هي التي زينة للسماء{[22516]} . وقال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ } [ المؤمنون : 12 ، 13 ] ، ولهذا نظائر كثيرة .

وقال ابن جرير : لو قيل : إنّ الضمير في قوله : { وَجَعَلْنَاهَا } {[22517]} ، عائد إلى العقوبة ، لكان وجهًا ، والله أعلم .


[22515]:- في ف : "ترمى"
[22516]:- في أ : "السماء".
[22517]:- في ت : "وجعلناها آية للعالمين".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (15)

{ فأنجيناه } أي نوحا عليه الصلاة والسلام . { وأصحاب السفينة } ومن أركب معه من أولاده وأتباعه وكانوا ثمانين . وقيل ثمانية وسبعين وقيل عشرة نصفهم ذكور ونصفهم إناث . { وجعلناها } أي السفينة أو الحادثة . { آية للعالمين } يتعظون ويستدلون بها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (15)

{ وأصحاب السفينة } قد تقدم في غير هذه السورة الاختلاف في عددهم ، وهم بنوة وقوم آمنوا معه ، والضمير في قوله { وجعلناها } يحتمل أن يعود على { السفينة } ويحتمل أن يعود على العقوبة ، ويحتمل أن يعود على النجاة ، والآية هنا العبرة على قدرة الله تعالى في شدة بطشه ، قال قتادة : أبقاها آية على الجودي .