نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (15)

ودل عليهم مسبباً عن ذلك بقوله : { فأنجيناه } أي نوحاً عليه السلام بما لنا من العظمة التي لا يغلبها شيء { وأصحاب السفينة } من أولاده وأتباعه ، من الغرق ، وماذا يبلغ مقدار أهل سفينة واحدة في العدة والكثرة { وجعلناها } أي الفعلة أو السفينة أي نفسها وجنسها ، بتلك العظمة { آية } أي علامة على قدرة الله وعلمه وإنجائه للطائع وإهلاكه للعاصي { للعالمين* } فإن لم يقع في الدهر حادثة أعظم منها ولا أغرب ولا أشهر في تطبيق الماء جميع الأرض ، بطولها والعرض ، وإغراق جميع من عليها من حيوان : إنسان وغير إنسان ، وإنجاء ناس فيهم بما هيأ قبل الفعل من سبب ذلك المستمر نفعه على تكرار الأحقاب وتعاقب الأزمان ، وكونها آية أما للآدميين الذين كانوا في ذلك الزمان فالأمر فيهم واضح ، وأما غيرهم من الحيوان فقد عرفوا لمعرفتهم بالجزئيات المشاهدة أن ذلك الماء لا ينجى منه في دار الأسباب إلا هذه السفينة ، فالهداية إلى فعلها للنجاة قبل وقوع سبب الهلاك دالة على تمام العلم وشمول القدرة ، وأن من اهتدى إليه دون أهل ذلك العصر كلهم إنما اهتدى بإعلام الله دون غيره ، ونصف الآية الأولى الأول من هذه القصة تسلية وتعزية دليلاً على آيتي الفتنة أول السورة ، ونصفها الثاني تحذير وتوقية ، وفيه دليل على الآية الثالثة ، والآية الثالثة ، والآية الأخرى تبشير وترجية ، وفيه دليل على ما بعد .