{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون14 فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين15 }
بعث الله تعالى رسوله نوحا عليه السلام إلى قومه ليوحدوا ربنا الخلاق العليم ويعبدوه ، ويدعوا أصنامهم ومعبوداتهم الباطلة ) . . فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره . . ( {[3177]} )أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون . يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى . . ( {[3178]} ، ومكث يدلهم على الهدى ، ويحذرهم عاقبة الشرك : ) . . إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم( {[3179]} ، ) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم( {[3180]} ، وصبر- عليه صلوات الله وسلامه- على تبليغ رسالة ربه ، وتابع تبشير من يتقي ويوحد ، وإنذار من يشرك ويجحد ، ومرت قرون وهو دائب على الترغيب في عبادة الله وتقواه ، والترهيب من عصيانه وتأليه ما سواه ، فما زادهم التذكير بحق الله إلا بعدا ، تسعمائة وخمسون سنة ونوح يبين الرشد لقومه ، وما آمن معه إلا قليل ، إنه لصبر أولي العزم من الرسل ، فلما استحبوا العمى على الهدى ، وأصروا على الغي ، واستكبروا عن الحق ، حانت ساعة الانتقام ، وتأذن ربنا بإهلاك المجرمين ، وإغراق الكافرين ، والطوفان : كل ماء فاش طام ، والقرآن الكريم يشير إلى عظمه وهوله في آيات كريمات : )ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر . وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر( {[3181]} ، كما يبين مقدار طغيان الطوفان وبأسه في قول الحق الواحد القهار : )وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين . قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين( {[3182]} ، ولما جاء أمر الله ، ورأى نوح ما جعله ربنا علامة على نزول البأس بساحة المجرمين ، وفار التنور إيذانا برحيل النبي والمؤمنين ، أوحى مولانا –الكبير المتعال- إلى نوح نبيه ورسوله أن يركب السفينة التي صنعها منذ عهد إليه مولاه : )واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون( {[3183]} كما نودي أن يجعل معه في السفينة من كل من نبات الأرض وحيوانها زوجين اثنين- ذكر وأنثى- وأن يركب معه أهل التصديق برسالته ، وليطمئنوا بعد ذلك إلى أن سفينتهم- مهما اشتدت الأنواء- ناجية ، وليستبشروا وإن علا الموج كالجبال ، فإن وليهم الله رب العالمين ، وهو سبحانه بالمؤمنين بر رحيم ، وإن ربنا لمع المتوكلين المتضرعين المتقين ، وإلى هذا أرشد الوحي الحكيم : )فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين . وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين( {[3184]} ، وجرت سفينتهم باسم الله الخبير البصير ، القوي القدير ، وسيرها- سبحانه- برعايته حتى أهلك الفجار ، )وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين( {[3185]} ، وكان هلاك المجرمين ، وإنجاء الله المؤمنين ، علامة على صدق المرسلين ، وعظة للمعتبرين ، وإنفاذا لسنن المهيمن الذي لا تتبدل سنته ولا تتحول : )إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين( {[3186]} )ولقد تركناها آية فهل من مدكر( {[3187]} ، وجعلها الحميد المجيد نعمة أن نجى الأسلاف والآباء ، يقول تبارك اسمه : )وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون . وخلقنا لهم من مثله ما يركبون( {[3188]} ، ويقول- جل علاه- : )إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية . لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية( {[3189]}- مما أورد صاحب [ روح المعاني . . ] : للإنكار على الذين يحسبون أن يتركوا بمجرد الإيمان بلا ابتلاء ، وحثا لهم على الصبر ، فإن الأنبياء عليهم السلام . . صبروا . . فلأن يصبر هؤلاء المؤمنون أولى وأحرى . . وهو من عطف القصة على القصة . . والنكتة في اختيار السنة أولا : أنها تطلق على الشدة والجدب بخلاف العام ، فناسب اختيار السنة لزمان الدعوى الذي قاسى عليه السلام فيه ما قاسى . اه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.