تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (15)

الآية 15 وقوله تعالى : { فأنجيناه } أي نوحا { وأصحاب السفينة } أي من دخل السفينة { وجعلناها آية للعالمين } .

قال بعضهم : جعلها آية أن هلكت كل سفينة كانت ، وهي باقية إلى اليوم ، على ما هي عليه .

وقال بعضهم : { وجعلناها آية } لمن بعدهم ، فتمنعهم من تكذيب الرسل والعناد معهم .

قال الزجاج : الاستثناء يخرج على تأكيد ما تقدم من الكلام ، كذكر الكل على إثر ما تقدم من الكلام ، أو كلام نحوه .

وقلنا نحن : إن كان ما تقدم من الذكر كافيا تماما فيخرج النبأ على إثره مخرج التأكيد لما تقدم نحو قوله : { قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } { إلا آل لوط } [ الحجر : 58 و : 59 ] . قوله : { إلى قوم مجرمين } كاف تام مفهوم ألا يدخل فيه آل لوط حين( {[15668]} ) ذكر الجرم ، وآله غير مجرمين فهو كاف مفهوم لا يحتاج إلى ذكر آل لوط . لكنه ذكره على التأكيد له . وكذلك قوله : { محصنين غير مسافحين } [ النساء : 24 ] وقوله : { محصنات غير مسافحات } [ النساء : 25 ] .

إذا قال : { محصنات } يفهم أنهن { غير مسافحات ولا متخذات أخدان } [ النساء : 25 ] لكنه ذكره على التأكيد . وإذا كان ما تقدم من الكلام مجملا مرسلا فيخرج ذكر الثّنيا مخرج تحصيل المراد منه على إضمار حرف : من فيه ، كقوله : { ألف سنة إلا خمسين عاما } كأنه قال : فلبث فيهم من ألف سنة تسع مئة وخمسين . وكذلك قول الناس : لفلان علي عشرة دراهم إلا كذا ؛ كأنه قال : لفلان علي من عشرة دراهم إلا كذا ، فهو على التحصيل يخرج ذكره .

وقال بعضهم : الطوفان كل ماء طاف فاش من سيل أو غيره ، وكذلك الموت الجارف يسمى الطوفان وماء الطوفان ، وهو ما ذكر في سورة الأعراف( {[15669]} ) .

وقال بعضهم : هو الغرق ، والله أعلم .


[15668]:في الأصل وم: و.
[15669]:إشارة إلى قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات} [ الآية: 133].