واستطرد النداء العلوي يلقي إلى عبده التكليف :
وألقى موسى عصاه إطاعة لأمر مولاه ؛ ولكن ماذا ? إنها لم تعد عصاه التي صاحبها طويلا ، والتي يعرفها معرفة اليقين . إنها حية تدب في سرعة ، وتتحرك في خفة ، وتتلوى كصغار الحيات وهي حية كبرى :
( فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ) . .
إنها المفاجأة التي لم يستعد لها ؛ مع الطبيعة الانفعالية ، التي تأخذها الوهلة الأولى . . ( ولى مدبرا ولم يعقب )ولم يفكر في العودة إليها ليتبين ماذا بها ؛ وليتأمل هذه العجيبة الضخمة . وهذه هي سمة الانفعاليين البارزة تتجلى في موعدها !
( يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ) . .
إن الخوف والأمن يتعاقبان سريعا على هذه النفس ، ويتعاورانها في مراحل حياتها جميعا . إنه جو هذه الحياة من بدئها إلى نهايتها ؛ وإن هذا الانفعال الدائم لمقصود في تلك النفس ، مقدر في هذه الحياة ، لأنه الصفحة المقابلة لتبلد بني إسرائيل ، ومرودهم على الاستكانة ذلك الأمد الطويل . وهو تدبير القدرة وتقديرها العميق الدقيق .
وقوله : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } أي : التي في يدك . كما قرره على ذلك في قوله : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } [ طه : 17 ، 18 ] . والمعنى : أما هذه عصاك التي تعرفها ألقها { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى } فعرف وتحقق أن الذي يخاطبه ويكلمه هو الذي يقول للشيء : كن ، فيكون . كما تقدم بيان ذلك في سورة " طه " .
وقال هاهنا : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } أي : تضطرب { كَأَنَّهَا جَانٌّ } أي : في حركتها السريعة مع عظم خَلْق قوائمها{[22309]} واتساع فمها ، واصطكاك أنيابها وأضراسها ، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها ، فتنحدر في فيها تتقعقع ، كأنها حادرة في واد . فعند ذلك { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي : ولم يكن يلتفت ؛ لأن طبع البشرية ينفر من ذلك . فلما قال الله له : { يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ } ، رجع فوقف في مقامه الأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.