( الله خالق كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل . له مقاليد السماوات والأرض . والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ) . .
إنها الحقيقة التي ينطق بها كل شيء . فما يملك أحد أن يدعي أنه خلق شيئاً . وما يملك عقل أن يزعم أن هذا الوجود وجد من غير مبدع . وكل ما فيه ينطق بالقصد والتدبير ؛ وليس أمر من أموره متروكاً لقى أو للمصادفة من الصغير إلى الكبير : ( وهو على كل شيء وكيل ) . .
وقوله تعالى : { الله خالق كل شيء } كلام مستأنف دال على الوحدانية ، وهو عموم معناه الخصوص . والوكيل : القائم على الأمر ، الزعيم بإكماله وتتميمه . والمقاليد : المفاتيح ، وقال ابن عباس ، واحدها مقلاد ، مثل مفتاح ، وفي كتاب الزهراوي : واحد المقاليد : إقليد ، وهذه استعارة كما تقول بيدك يا فلان مفتاح هذا الأمر ، إذا كان قديراً على السعي فيه . وقال السدي : المقاليد الخزائن ، وهذه عبارة غير جيدة ، ويشبه أن يقول قائل : المقاليد إشارة إلى الخزائن أو دالة عليها فيسوغ هذا القول ، كما أن الخزائن أيضاً في جهة الله إنما تجيء استعارة ، بمعنى اتساع قدرته ، وأنه يبتدع ويخترع ، ويشبه أن يقال فيما قد أوجد من المخلوقات كالريح والماء وغير ذلك إنها في خزائنه ، وهذا كله بتجوز على جهة التقريب والتفهيم للسامعين ، وقد ورد القرآن بذكر الخزائن{[9926]} ، ووقعت في الحديث الصحيح في قوله عليه السلام : «وما فتح الليلة من الخزائن »{[9927]} والحقيقة في هذا غير بعيدة ، لكنه ليس باختزان حاجة ولا قلة قدرة كما هو اختزان البشر .
هذا استئناف ابتدائي تمهيد لقوله : { قُل أفغير الله تأمروني أعبُد } [ الزمر : 64 ] في ذكر تمسك الرسول والرسللِ من قبله بالتوحيد ونبذِ الشرك والبراءةِ منه والتصلبِ في مقاومته والتصميممِ على قطع دابره ، وجُعلت الجمل الثلاث من قوله : { الله خالق كل شيء } إلى قوله : { السموات والأرض } مقدمات تؤيد ما يجيء بعدها من قوله : { قُل أفغير الله تأمروني أعبُد } [ الزمر : 64 ] .
وقد اشتمل هذا الاستئناف ومعطوفاته على ثلاث جمل وجملة رابعة :
فالجملة الأولى : { الله خالق كل شيء } وهذه الجملة أَدْخَلت كل موجود في أنه مخلوق لله تعالى ، فهو وليّ التصرف فيه لا يخرج من ذلك إلاّ ذاتُ الله تعالى وصفاته فهي مخصوصة من هذا العموم بدليل العقل وهو أنه خالق كل شيء فلو كان خالقَ نفسه أو صفاتِه لزم توقف الشيء على ما يتوقف هُو عليه وهذا ما يسمى بالدَّوْر في الحكمة ، واستحالتُه عقلية ، فخُص هذا العموم العقل . والمقصود من هذا إثبات حقيقة ، والزامُ الناس بتوحيده لأنه خالقهم ، وليس في هذا قصد ثناء ولا تعاظم ، والمقصود من هذه المقدمة تذكير الناس بأنهم جميعاً هم وما معهم عبيد لله وحده ليس لغيره منّة عليهم بالإِيجاد .
الجملة الثانية : { وهو على كل شيء وكيل } وجيء بها معطوفة لأن مدلولها مغاير لمدلول التي قبلها . والوكيلُ المتصرف في شيء بدون تعقب ولما لم يعلّق بذلك الوصف شيءٌ علم أنه موكول إليه جِنس التصرف وحقيقتُه التي تعم جميع أفراد ما يتصرف فيه ، فعم تصرفه أحوالَ جميع الموجودات من تقدير الأعمال والآجال والحركاتِ ، وهذه المقدمة تقتضي الاحتياج إليه بالإِمداد فهم بعد أن أوجدهم لم يستغنوا عنه لَمحةً مّا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.