{ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }{[11515]} .
وقوله : { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } قال قتادة : أي من هذه الأمة .
وهو كما قال ، فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام ، وأصله عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25 ] ، وقد أخبر تعالى عن نوح أنه قال لقومه : { فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 72 ] ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [ البقرة : 130 - 132 ] ، وقال يوسف ، عليه السلام : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [ يوسف : 101 ] ، وَقَالَ مُوسَى { يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [ يونس : 84 - 86 ] ، وقال تعالى : { إِنَّا أَنزلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ [ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ }{[11516]} الآية[ المائدة : 44 ] ، وقال تعالى : { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } [ المائدة : 111 ] .
فأخبر [ الله ]{[11517]} تعالى أنه بعث رسله بالإسلام ، ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضًا ، إلى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تنسخ أبد الآبدين ، ولا تزال قائمة منصورة ، وأعلامها مشهورة{[11518]} إلى قيام الساعة ؛ ولهذا قال عليه [ الصلاة و ]{[11519]} السلام : " نحن مَعاشِر الأنبياء أولاد عَلات ديننا واحد " {[11520]} فإن أولاد العلات هم الأخوة من أب واحد وأمهات شَتَّى ، فالدين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات ، كما أن إخوة الأخياف{[11521]} عكس هذا ، بنو الأم الواحدة من آباء شتى ، والأخوة الأعيان الأشقاء من أب واحد وأم واحدة ، والله أعلم .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشُون ، حدثنا عبد الله ابن الفضل الهاشمي ، عن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ، ثم قال : " { وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 79 ] ، { إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } اللهم أنت الملك ، لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعًا ، لا{[11522]} يغفر الذنوب إلا أنت . واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت . واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت . تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك " .
ثم ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الركوع والسجود والتشهد . وقد رواه مسلم في صحيحه{[11523]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، الذين يسألونك أن تتّبع أهواءهم على الباطل من عبادة الاَلهة والأوثان : إنّ صَلاتي ونُسُكي يقول : وذبحي . وَمحْيايَ يقول : وحياتي . وَمَماتِي يقول : ووفاتي . لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ يعني أن ذلك كله له خالصا دون ما أشركتم به أيها المشركون من الأوثان . لا شَرِيكَ لَهُ في شَيْءٍ من ذلك من خلقه ، ولا لشيء منهم فيه نصيب ، لأنه لا ينبغي أن يكون ذلك إلا له خالصا . وبذلكَ أُمِرْتُ يقول : وبذلك أمرني ربي . وأنا أوّلُ المُسْلِمِينَ يقول : وأنا أوّل من أقرّ وأذعن وخضع من هذه الأمة لربه ، بأن ذلك كذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال : النسك في هذا الموضع : الذبح :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد : إنّ صَلاتي ونُسُكي قال : النسك : الذبائح في الحجّ والعُمرة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ونُسُكي : ذبيحتي في الحجّ والعُمرة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ونُسُكي : ذبيحتي في الحجّ والعُمرة .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، وليس بابن أبي خالد ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : صَلاتِي ونُسُكي قال : ذبحي .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : صَلاتي ونُسُكي قال : ذبيحتي .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن جبير ، قال ابن مهدي : لا أدري من إسماعيل هذا . صَلاتِي ونَسُكي قال : صلاتي وذبيحتي .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا الثوريّ ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : صَلاتي ونُسُكي قال : وذبيحتي .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ونُسُكي قال ذبحي .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ونُسُكي قال : ذبيحتي .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : صَلاتي ونُسُكي قال : الصلاة : الصلاة ، والنسك : الذبح .
وأما قوله : وأنا أوّلُ المُسْلِمِينَ فإن :
محمد بن عبد الأعلى حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن قتادة وأنا أوّلُ المُسْلِمِينَ قال : أوّل المسلمين من هذه الأمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.