الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (163)

قوله سبحانه : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي . . . } [ الأنعام :162 ] .

أمْر من اللَّه عز وجل لنبيِّه عليه السلام أنْ يعلن بأنَّ مقصده في صلاته ، وطاعتِهِ من ذبيحة وغيرها ، وتصرفَهُ مدَّةَ حياتِهِ ، وحالهُ من إخلاصٍ وإيمانٍ عند مماته إنما هو للَّه عزَّ وجلَّ ، وإرادةِ وجهه ، وطَلَبِ رضاه ، وفي إعلان النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة ما يلزمُ المؤمنين التأسِّي به ، حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قَصْدَ وجه اللَّه عزَّ وجلَّ ، ويحتمل أن يريد بهذه المقالة ، أنَّ صلاته ونسكه وحياته ومماته بِيَدِ اللَّه عزَّ وجلَّ ، واللَّه يصرفه في جميع ذلك كَيْفَ شاء سبحانه ، ويكون قوله : { وبذلك أُمِرْتُ }[ الأنعام :163 ] ، على هذا التأويل راجعاً إلى قوله : { لاَ شَرِيكَ لَهُ } فقطْ ، أو راجعاً إلى القول ، وعلى التأويل الأول ، يرجع إلى جميع ما ذُكِرَ من صلاة وغيرها ، وقالتْ فرقة : النُّسُكُ ، في هذه الآية : الذبائح .

قال ( ع ) : ويُحَسِّن تخصيصَ الذبيحة بالذِّكْر في هذه الآية ، أنها نازلةٌ قد تقدَّم ذكرها ، والجَدَل فيها في السُّورة ، وقالتْ فرقة : النسك ، في هذه الآية : جميع أعمال الطاعاتِ ، مِنْ قولك : نَسَكَ فُلاَنٌ ، فَهُوَ نَاسِكٌ ، إذا تعبَّد ، وقرأ السبعة سوى نافع : «وَمَحْيَايَ » بفتح الياء ، وقرأ نافع وحده : «وَمَحْيَايْ » بسكون الياء ، قال أبو حَيَّان : وفيه جمع بين ساكنَيْنِ ، وسوَّغ ذلك ما في الألفِ من المَدِّ القائمِ مَقَام الحركَة ، انتهى . وقوله : { وأنا أول المسلمين } ، أي : من هذه الأمة .