في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ} (6)

( إذ هم عليها قعود . وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) . . وهو تعبير يصور موقفهم ومشهدهم ، وهم يوقدون النار ، ويلقون بالمؤمنين والمؤمنات فيها وهم قعود على النار ،

/خ9

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ} (6)

{ إذ هم عليها قعود } أي لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها ، مشرفين عليها من حافات الأخدود ، يقذفون فيها المؤمنين ، ويشهدون تعذيبهم هذا العذاب المهلك .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ} (6)

شرح الكلمات :

{ إذ هم عليها قعود } : أي على حافتها وشفيرها .

المعنى :

قوله { إذ هم عليها قعود } بيان للحال التي كانوا يفتنون فيها المؤمنين والمؤمنات إذ كانوا على شفير النار وحافتها قاعدين .

/ذ1

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ} (6)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: النار ذات الوقود، إذ هؤلاء الكفار من أصحاب الأخدود عليها، يعني على النار، فقال عليها، والمعنى أنهم قعود على حافة الأخدود، فقيل: على النار، والمعنى: لشفير الأخدود، لمعرفة السامعين معناه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي عظماؤهم وكبراؤهم جلوس عند الأخدود، وفيه أن أتباعهم هم الذين كانوا يتولون إلقاء المؤمنين في النار، وكبراؤهم جلوس هنالك...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{إِذْ} ظرف لقتل، أي لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها. ومعنى {عَلَيْهَا} على ما يدنو منها من حافات الأخدود...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وعلق ب "قتل " قوله: {إذ هم} أي بظواهرهم وضمائرهم {عليها} أي على جوانب أخدودها {قعود} أي يحفظونها ويفعلون مما يأمرهم ملكهم في أمرها من إلقاء الناس وغيره فعل القاعد المطمئن الذي ليس له شغل غيرها...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وضمير {هم} عائد إلى أصحاب الأخدود، فإن الملك يحضر تنفيذ أمره ومعه ملأه، أو أريد بهم المأمورون من الملك. فعلى احتمال أنهم أعوان الملك فالقُعود الجلوس كني به عن الملازمة للأخدود لئلا يتهاون الذين يحشون النار بتسعيرها، و (على) للاستعلاء المجازي لأنهم لا يقعدون فوق النار ولكن حولها. وإنما عبر عن القرب والمراقبة بالاستعلاء... ومثله قوله تعالى: {وجد عليه أمة من الناس يسقون} [القصص: 23]، أي عنده. وعلى احتمال أن يكون المراد ب {أصحاب الأخدود} المؤمنين المعذَّبين فيه، فالقُعود حقيقة و (على) للاستعلاء الحقيقي، أي قاعدون على النار بأن كانوا يحرقونهم مربوطين بهيئة القعود لأن ذلك أشد تعذيباً وتمثيلاً، أي بعد أن يقعدوهم في الأخاديد يوقدون النار فيها وذلك أروع وأطول تعذيباً...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

في جلوسهم على أطرافها ليتلذّذوا بمنظر هؤلاء المؤمنين المعذّبين، وليجعلوا من ذلك ملهاةً لهم، في ما اعتاد الطغاة أن يلهوا به من تعذيب الأبرياء...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ} (6)

قوله تعالى : " إذ هم عليها قعود " أي الذين خددوا الأخاديد وقعدوا عليها يلقون فيها المؤمنين ، وكانوا بنجران في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم . وقد اختلفت الرواة في حديثهم . والمعنى متقارب . ففي صحيح مسلم عن صهيب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت فابعث إلى غلاما أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاما يعلمه ، فكان في طريقه إذا سلك ، راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه ، فأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي . وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر . فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل ؟ فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة ، حتى يمضى الناس ، فرماها فقتلها ومضى الناس . فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب : أي بني ؟ أنت اليوم أفضل مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلي ، فإن ابتليت فلا تدل علي . وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوي الناس من سائر الأدواء . فسمع جليس للملك كان قد عمي ، فأتاه بهدايا كثيرة فقال : ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني . فقال : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك ؟ فآمن بالله فشفاه الله . فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس ، فقال له الملك : من رد عليك بصرك ؟ قال ربي . قال : ولك رب غيري ؟ قال : ربي وربك الله . فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام ، فجيء بالغلام فقال له الملك : أي بني ! أقد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص ، وتفعل وتفعل ؟ ! قال : أنا لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله . فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك . فأبى فدعا بالمنشار ، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه . ثم جيء بجليس الملك فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبي فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقه به حتى وقع شقاه . ثم جيء بالغلام فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبي فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا ، فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه ، فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم الجبل ، فسقطوا . وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله . فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور ، فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه ، فذهبوا به فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فانكفأت بهم السفينة ، فغرقوا . وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم الله . فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به . قال : وما هو ؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهما من كنانتي ، ثم ضع السهم في كبد القوس ، ثم قل : باسم الله رب الغلام ، ثم ارمني ، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني . فجمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على جذع ، ثم أخذ سهما من كنانته ، ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : باسم الله رب الغلام ، ثم رماه فوقع السهم في صدغه ، فوضع يده في صدغه ، في موضع السهم ، فمات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ! آمنا برب الغلام ! آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرك ، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك ، فحدث ، وأضرم النيران ، وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها - أو قيل له اقتحم – ففعلوا ، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال ، لها الغلام : ( يا أمة اصبري فإنك على الحق ) . خرجه الترمذي بمعناه .

وفيه : ( وكان على طريق ، الغلام راهب في صومعة ) قال معمر : أحسب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين . وفيه : ( أن الدابة التي حبست الناس كانت أسدا ، وأن الغلام دفن - قال - : فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل ) . وقال : حديث حسن غريب . ورواه الضحاك عن ابن عباس قال : كان ملك بنجران ، وفي رعيته رجل له فتى ، فبعثه إلى ساحر يعلمه السحر ، وكان طريق الفتى على راهب يقرأ الإنجيل ، فكان يعجبه ما يسمعه من الراهب ، فدخل في دين الراهب ، فأقبل يوما فإذا حية عظيمة قطعت على الناس طريقهم ، فأخذ حجرا فقال باسم الله رب السموات والأرض وما بينهما ، فقتلها . وذكر نحو ما تقدم . وأن الملك لما رماه بالسهم وقتله قال أهل مملكة الملك : لا إله إلا إله عبد الله بن ثامر ، وكان اسم الغلام ، فغضب الملك ، وأمر فخدت أخاديد ، وجمع فيها حطب ونار ، وعرض أهل مملكته عليها ، فمن رجع عن التوحيد تركه ، ومن ثبت على دينه قذفه في النار . وجيء بامرأة مرضع فقيل لها ارجعي عن دينك وإلا قذفناك وولدك - قال - فأشفقت وهمت بالرجوع ، فقال لها الصبي المرضع : يا أمي ، اثبتي على ما أنت عليه ، فإنما هي غميضة ، فألقوها وابنها . وروى أبو صالح عن ابن عباس أن النار ارتفعت من الأخدود فصارت فوق الملك وأصحابه أربعين ذراعا فأحرقتهم . وقال الضحاك : هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة ، أخذهم يوسف بن شراحيل بن تبع الحميري ، وكانوا نيفا وثمانين رجلا ، وحفر لهم أخدودا وأحرقهم فيه . حكاه الماوردي . وحكى الثعلبي عنه أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل ، أخذوا رجالا ونساء ، فخدوا لهم الأخاديد ، ثم أوقدوا فيها النار ، ثم أقيم المؤمنون عليها . وقيل لهم : تكفرون أو تقذفون في النار ؟ ويزعمون أنه دانيال وأصحابه ، وقاله عطية العوفي . وروي نحو هذا عن ابن عباس . وقال علي رضي الله عنه : إن ملكا سكر فوقع على أخته ، فأراد أن يجعل ذلك شرعا في رعيته فلم يقبلوا ، فأشارت إليه أن يخطب بأن الله - عز وجل - أحل نكاح الأخوات ، فلم يسمع منه . فأشارت إليه أن يخد لهم الأخدود ، ويلقي فيه كل من عصاه . ففعل . قال : وبقاياهم ينكحون الأخوات وهم المجوس ، وكانوا أهل كتاب . وروي عن علي أيضا أن أصحاب الأخدود كان سببهم أن نبيا بعثه الله تعالى إلى الحبشة ، فاتبعه ناس ، فخد لهم قومهم أخدودا ، فمن اتبع النبي رمي فيها ، فجيء بامرأة لها بني رضيع فجزعت ، فقال لها : يا أماه ، أمضى ولا تجزعي . وقال أيوب عن عكرمة قال : " قتل أصحاب الأخدود " قال : كانوا من قومك من السجستان . وقال الكلبي : هم نصارى نجران ، أخذوا بها قوما مؤمنين ، فخدوا لهم سبعة أخاديد ، طول كل أخدود أربعون ذراعا ، وعرضه اثنا عشر ذراعا . ثم طرح فيه النفط{[15896]} والحطب ، ثم عرضوهم عليها ، فمن أبى قذفوه فيها . وقيل : قوم من النصارى كانوا بالقسطنطينية زمان قسطنطين . وقال مقاتل : أصحاب الأخدود ثلاثة : واحد بنجران ، والآخر بالشام ، والآخر بفارس . أما الذي بالشام فأنطنيانوس الرومي ، وأما الذي بفارس فبختنصر ، والذي بأرض العرب يوسف بن ذي نواس . فلم ينزل الله في الذي بفارس والشام قرآنا ، وأنزل قرآنا في الذي كان بنجران . وذلك أن رجلين مسلمين كان أحدهما بتهامة ، والآخر بنجران ، أجر أحدهما نفسه ، فجعل يعمل ويقرأ الإنجيل ، فرأت ابنة المستأجر النور في قراءة الإنجيل ، فأخبرت أباها فأسلم . وبلغوا سبعة وثمانين بين رجل وامرأة ، بعد ما رفع عيسى ، فخد لهم يوسف بن ذي نواس بن تبع الحميري أخدودا ، وأوقد فيه النار ، وعرضهم على الكفر ، فمن أبى أن يكفر قذفه في النار ، وقال : من رجع عن دين عيسى لم يقذف . وإن امرأة معها ولدها صغير لم يتكلم ، فرجعت ، فقال لها ابنها : يا أماه ، إني أرى أمامك نارا لا تطفأ ، فقذفا جميعا أنفسهما في النار ، فجعلها الله وأبنها في الجنة . فقذف في يوم واحد سبعة وسبعون إنسانا . وقال ابن إسحاق عن وهب بن منبه : كان رجل من بقايا أهل دين عيسى بن مريم عليه السلام ، يقال له قيميون{[15897]} ، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا مجاب الدعوة ، وكان سائحا في القرى ، لا يعرف بقرية إلا مضى عنها ، وكان بناء يعمل الطين . قال محمد بن كعب القرظي ، وكان أهل نجران أهل شرك يعبدون الأصنام ، وكان في قرية من قراها قريبا من نجران ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر ، فلما نزل بها قيميون ، بنى بها خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي بها الساحر ، فجعل أهل نجران يبعثون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر ، فبعث إليه الثامرُ عبد الله بن الثامر ، فكان مع غلمان أهل نجران ، وكان عبد الله إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من أمر صلاته وعبادته ، فجعل يجلس إليه ويسمع منه ، حتى أسلم ، فوحد الله وعبده ، وجعل يسأله عن اسم الله الأعظم ، وكان الراهب يعلمه ، فكتمه إياه وقال : يا ابن أخي ، إنك لن تحمله ، أخشى ضعفك عنه ، وكان أبو الثامر لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان . فلما رأى عبد الله أن الراهب قد بخل عليه بتعليم اسم الله الأعظم ، عمد إلى قداح{[15898]} فجمعها ، ثم لم يبق لله تعالى اسما يعلمه إلا كتبه في قدح ، لكل اسم قدح ، حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ، ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا ، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه ، فوثب القدح حتى خرج منها لم يضره شيء ، فأخذه ثم قام إلى صاحبه ، فأخبره أنه علم اسم الله الأعظم الذي كتمه إياه ، فقال : وما هو ؟ قال : كذا وكذا . قال : وكيف علمته ؟ فأخبره بما صنع . فقال له : يا ابن أخي ، قد أصبته ، فأمسك على نفسك ، وما أظن أن تفعل .

فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال : يا عبد الله ، أتوحد الله وتدخل في ديني ، فأدعو الله لك فيعافيك مما أنت فيه من البلاء ؟ فيقول : نعم ، فيوحد الله ويسلم ، فيدعوا الله له فيشفي ، حتى لم يبق أحد بنجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على دينه ودعا له فعوفي ، حتى رفع شأنه إلى ملكهم ، فدعاه فقال له : أفسدت علي أهل قريتي ، وخالفت ديني ودين أبائي ، فلأمثلن بك . قال : لا تقدر على ذلك ، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل ، فيطرح عن رأسه ، فيقع على الأرض ليس به بأس . وجعل يبعث به إلى مياه نجران ، بحار لا يلقى فيها شيء إلا هلك ، فيلقي فيها فيخرج ليس به بأس ؛ فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر : والله لا تقدر على قتلي حتى توحد الله وتؤمن بما آمنت به ، فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي وقتلتني . فوحد الله ذلك الملك وشهد شهادته ، ثم ضربه بعصا فشجه شجة صغيرة ليست بكبيرة ، فقتله ، وهلك الملك مكانه ، واجتمع أهب نجران على دين عبد الله بن الثامر ، وكان على ما جاء به عيسى بن مريم من الإنجيل وحكمه . ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث ، فمن ذلك كان أصل النصرانية بنجران . فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير ، فدعاهم إلى اليهودية ، وخيرهم بين ذلك أو القتل ، فاختاروا القتل ، فخد لهم الأخدود ، فحرق بالنار وقتل بالسيف ، ومثل بهم حتى قتل منهم عشرين ألفا . وقال وهب بن منبه : اثني عشر ألفا . وقال الكلبي : كان أصحاب الأخدود سبعين ألفا{[15899]} . خرج ذو نواس هاربا ، فاقتحم البحر بفرسه فغرق . قال ابن إسحاق : وذو نواس هذا سمه زرعة بن تبان{[15900]} أسعد الحميري ، وكان أيضا يسمى يوسف ، وكان له غدائر من شعر تنوس ، أي تضطرب ، فسمي ذا نواس ، وكان فعل هذا بأهل نجران ، فأفلت منهم رجل اسمه دوس ذو ثعلبان ، فساق الحبشة لينتصر بهم ، فملكوا اليمن وهلك ذو نواس في البحر ، ألقي نفسه فيه ، وفيه يقول عمرو بن معدي كرب :

أتُوعدني كأنك ذو رُعَيْنٍ *** بأنعم عِيشَةٍ أو ذو نُوَاسِ

وكائِنْ كان قبلك من نَعِيم *** ومُلْكٍ ثابتٍ في الناس راسِ

قديم عهده من عهد عاد *** عظيم قاهر الجبروت قاس

أزال الدهرُ ملكَهُم فأضحَى *** يُنَقَّلُ من أناسٍ في أُنَاسٍ

وذو رعين : ملك من ملوك حمير . ورعين حصن له وهو من ولد الحرث بن عمرو بن حمير بن سبأ .

مسألة : قال علماؤنا : أعلم الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية ، ما كان يلقاه من وحد قبلهم من الشدائد ، يؤنسهم بذلك . وذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلاقون من الأذى والآلام ، والمشقات التي كانوا عليها ، ليتأسوا بمثل هذا الغلام ، في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به ، وبذله نفسه في حق إظهار دعوته ، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظم صبره . وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار . وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم ، صبروا على الطرح في النار ولم يرجعوا في دينهم . ابن العربي : وهذا منسوخ عندنا ، حسب ما تقدم بيانه في سورة " النحل " {[15901]} .

قلت : ليس بمنسوخ عندنا ، وأن الصبر على ذلك لمن قويت نفسه وصلب دينه أولى ، قال الله تعالى مخبرا عن لقمان : " يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور{[15902]} " [ لقمان : 17 ] : وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) : خرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب ، وروى ابن سنجر ( محمد بن سنجر ) عن أميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنت أوضئ النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل ، قال : أوصني فقال : ( لا تشرك بالله شيئا وأن قطعت أو حرقت بالنار . . ) الحديث قال علماؤنا : ولقد امتحن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل والصلب والتعذيب الشديد ، فصبروا ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك ويكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما وما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق ، وغير ذلك ، وقد مضى في " النحل " أن هذا إجماع ممن قوي في ذلك ، فتأمله هناك{[15903]} .

قوله تعالى : " قتل أصحاب الأخدود " دعاء على هؤلاء الكفار بالإبعاد من رحمة الله تعالى : وقيل : معناه الإخبار عن قتل أولئك المؤمنين ، أي إنهم قتلوا بالنار فصبروا : وقيل : هو إخبار عن أولئك الظالمين ، فإنه روي أن الله قبض أرواح الذين ألقوا في الأخدود قبل أن يصلوا إلى النار ، وخرجت نار من الأخدود فأحرقت الذين هم عليها قعود : وقيل : إن المؤمنين نجوا ، وأحرقت النار الذين قعدوا ، ذكره النحاس ، ومعنى " عليها " أي عندها وعلى بمعنى عند ، وقيل : " عليها " على ما يدنو منها من حافات الأخدود ، كما قال :

وبات على النار النَّدَى والمُحَلَّقُ{[15904]}

العامل في " إذ " : " قتل " ، أي لعنوا في ذلك الوقت .


[15896]:النفط (بالكسر وقد يفتح): زيت معدني سريع الاحتراق، توقد به النار ويتداوى به.
[15897]:في أ، ح، و، وتاريخ الطبري: "فيمون"، بالفاء.
[15898]:القدح (بالكسر): السهم قبل أن ينصل ويراش، جمعه قداح.
[15899]:في ز، ل: "تسعين ألفا".
[15900]:هو كغراب أو كرمان، ويكسر. وهو أول من كسا البيت الحرام.
[15901]:راجع جـ 10 ص 180 ، وص 202.
[15902]:راجع جـ 14 ص 68.
[15903]:راجع جـ 10 ص 180.
[15904]:البيت لأعشى قيس، وصدره: * تشب لمقرورين يصطليانها *
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ} (6)

وعلق ب " قتل " قوله : { إذ هم } أي بظواهرهم وضمائرهم { عليها } أي على جوانب أخدودها { قعود * } أي يحفظونها ويفعلون مما{[72479]} يأمرهم ملكهم في أمرها من إلقاء الناس وغيره فعل القاعد المطمئن الذي ليس له شغل غيرها


[72479]:من م، وفي الأصل و ظ: بما.