مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ} (6)

أما قوله تعالى : { إذ هم عليها قعود } ففيه مسألتان :

المسألة الأولى : العامل في إذ قتل والمعنى لعنوا في ذلك الوقت الذي هم فيه قعود عند الأخدود يعذبون المؤمنين .

المسألة الثانية : في الآية إشكال وهو أن قوله : { هم } ضمير عائد إلى أصحاب الأخدود ، لأن ذلك أقرب المذكورات والضمير في قوله : { عليها } عائد إلى النار فهذا يقتضي أن أصحاب الأخدود كانوا قاعدين على النار ، ومعلوم أنه لم يكن الأمر كذلك ( والجواب ) : من وجوه ( أحدها ) : أن الضمير في هم عائد إلى أصحاب الأخدود ، لكن المراد ههنا من أصحاب الأخدود المقتولون لا القاتلون فيكون المعنى إذ المؤمنين قعود على النار يحترقون مطرحون على النار ( وثانيها ) : أن يجعل الضمير في { عليها } عائدا إلى طرف النار وشفيرها والمواضع التي يمكن الجلوس فيها ، ولفظ ، على مشعر بذلك تقول مررت عليها تريد مستعليا بمكان يقرب منه ، فالقائلون كانوا جالسين فيها وكانوا يعرضون المؤمنين على النار ، فمن كان يترك دينه تركوه ومن كان يصبر على دينه ألقوه في النار ( وثالثها ) : هب أنا سلمنا أن الضمير في هم عائد إلى أصحاب الأخدود بمعنى القاتلين ، والضمير في عليها عائد إلى النار ، فلم لا يجوز أن يقال : إن أولئك القاتلين كانوا قاعدين على النار ، فإنا بينا أنهم لما ألقوا المؤمنين في النار ارتفعت النار إليهم فهلكوا بنفس ما فعلوه بأيديهم لأجل إهلاك غيرهم ، فكانت الآية دالة على أنهم في تلك الحالة كانوا ملعونين أيضا ، ويكون المعنى أنهم خسروا الدنيا والآخرة ( ورابعها ) : أن تكون على بمعنى عند ، كما قيل في قوله : { ولهم علي ذنب } أي عندي .