وفي نهاية الفقرة - بعد تقرير تلك الصفات وأثرها في الكون كله - يعرض للذين يتخذون من دون الله أولياء . وقد بدا أن ليس في الكون غيره من ولي . ليعفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمرهم ، فما هو عليهم بوكيل ، والله هو الحفيظ عليهم ، وهو بهم كفيل :
( والذين اتخذوا من دونه أولياء ، الله حفيظ عليهم ، وما أنت عليهم بوكيل ) . .
وتبدو للضمير صورة هؤلاء المناكيد التعساء( وهم يتخذون من دون الله أولياء وأيديهم مما أمسكت خاوية ، وليس هنالك إلا الهباء ! تبدو للضمير صورتهم - في ضآلتهم وضآلة أوليائهم من دون الله . والله حفيظ عليهم . وهم في قبضته ضعاف صغار . فأما النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه ، فهم معفون من التفكير في شأنهم ، والاحتفال بأمرهم ، فقد كفاهم الله هذا الاهتمام .
ولا بد أن تستقر هذه الحقيقة في ضمائر المؤمنين لتهدأ وتطمئن من هذا الجانب في جميع الأحوال . سواء كان أولئك الذين يتخذون من دون الله أولياء أصحاب سلطان ظاهر في الأرض ، أم كانوا من غير ذوي السلطان . تطمئن في الحالة الأولى لهوان شأن أصحاب السلطان الظاهر - مهما تجبروا - ما داموا لا يستمدون سلطانهم هذا من الله والله حفيظ عليهم ؛ وهو من ورائهم محيط والكون كله مؤمن بربه من حولهم ، وهم وحدهم المنحرفون كالنغمة النشاز في اللحن المتناسق ! وتطمئن في الحالة الثانية من ناحية أن ليس على المؤمنين من وزر في تولي هؤلاء غير الله ؛ فهم ليسوا بوكلاء على من ينحرفون من الخلق ؛ وليس عليهم إلى النصح والبلاغ . والله هو الحفيظ على قلوب العباد .
ومن ثم يسير المؤمنون في طريقهم . مطمئنين إلى أنه الطريق الموصول بوحي الله . وأن ليس عليهم من ضير في انحراف المنحرفين عن الطريق . كائنا ما يكون هذا الانحراف . .
قوله تعالى : " والذين اتخذوا من دونه أولياء " يعني أصناما يعبدونها . " الله حفيظ عليهم " أي يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها . " وما أنت عليهم بوكيل " وهذه منسوخة بآية السيف . وفي الخبر : ( أَطَّت السماء وحق لها أن تَئِطَّ ) أي صوتت من ثقل سكانها لكثرتهم ، فهم مع كثرتهم لا يفترون عن عبادة الله ، وهؤلاء الكفار يشركون به .
ولما كان التقدير : فالذين تولوه وماتوا في ولايته فهو يغفر ذنوبهم بمعنى أنه يزيلها عيناً وأثراً ، عطف عليه قوله : { والذين اتخذوا } أي عالجوا فطرهم الأولى وعقولهم حتى أخذوا { من دونه } أي من أدنى رتبة من رتبته { أولياء } يعبدونهم كالأصنام وكل من اتبع هواه في شيء من الأشياء ، فقد اتخذ الشيطان الآمر له بذلك ولياً من دون الله بمخالفة أمره .
ولما كان ما فعلوه عظيم البشاعة ، اشتد التشوف إلى جزائهم عليه فأخبر عنه سبحانه بقوله معبراً بالاسم الأعظم إشارة إلى وضوح ضلالهم وعظم تهديدهم معرياً له عن الفاء لئلا يتوهم أن الحفظ مسبب عن الاتخاذ المذكور عادلاً إلى التعبير بالجلالة تعظيماً لما في الشرك من الظلم وتغليظاً لما يستحق فاعله من الزجر : { الله } أي المحيط بصفات الكمال { حفيظ عليهم } أي رقيب وراع وشهيد على اعمالهم ، لا يغيب عنه شيء من أحوالهم ، فهو إن شاء أبقاهم على كفرهم وجازاهم عليه بما أعده للكافرين ، وإن شاء تاب عليهم ومحا ذلك عيناً وأثراً ، فلم يعاقبهم ولم يعاتبهم ، وإن شاء محاه عيناً وأبقى الأثر حتى يعاتبهم { وما أنت عليهم بوكيل * } أي حتى يلزمك أن تراعي جميع أحوالهم من أقوالهم وأفعالهم ، فتحفظها وتقسرهم على تركها ونحو ذلك مما يتولاه الوكيل مما يقوم فيه مقام الموكل سواء قالوا { لا تسمعوا لهذا القرآن } أو قالوا { قلوبنا في أكنة } أو غير ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.