في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

37

وبمناسبة الإشارة إلى الأجل المسمى ، وتقرير عدل الله فيه ، يقرر أن أمر الساعة وعلمها إلى الله وحده ، ويصور علم الله في بعض مجالاته صورة موحية تمس أعماق القلوب . وذلك في الطريق إلى عرض مشهد من مشاهد القيامة يسأل فيه المشركون ويجيبون :

( إليه يرد علم الساعة ، وما تخرج من ثمرات من أكمامها ، وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه . ويوم يناديهم : أين شركائي ? قالوا : آذناك ما منا من شهيد . وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل ، وظنوا ما لهم من محيص ) . .

والساعة غيب غائر في ضمير المجهول . والثمرات في أكمامها سر غير منظور ، والحمل في الأرحام غيب كذلك مستور . وكلها في علم الله ، وعلم الله بها محيط . ويذهب القلب يتتبع الثمرات في أكمامها ، والأجنة في أرحامها . يذهب في جنبات الأرض كلها يرقب الأكمام التي لا تحصى ؛ ويتصور الأجنة التي لا يحصرها خيال ! وترتسم في الضمير صورة لعلم الله بقدر ما يطيق الضمير البشري أن يتصور من الحقيقة التي ليس لها حدود .

ويتصور القطيع الضال من البشر ، واقفاً أمام هذا العلم الذي لا يند عنه خاف ولا مستور :

( ويوم يناديهم : أين شركائي ? ) . .

هنا في هذا اليوم الذي لا يجدي فيه جدال ، ولا تحريف للكلم ولا محال . فماذا هم قائلون ?

قالوا : أذناك ما منا من شهيد ? . .

أعلمناك ، أن ليس منا اليوم من يشهد أنك لك شريك !

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

{ إليه يرد علم الساعة } إرشاد للمؤمنين في التفصي عن هذا السؤال إذا وجه إليهم – بتفويض العلم فيه إلى الله وحده ؛ وقد سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن وقت قيامها . { من أكمامها } من

أوعيتها . جمع كم – بالكسر – وهو وعاء الطلع ، وغطاء النور ؛ كالكمامة والكمة – بالكسر فيهما – ويجمع أيضا على أكمة وكمام . { قالوا آدناك . . . } أعلمناك بلسان الحال ، وبما تعلم من قلوبنا أنه ليس منا أحد يشهد لهم بالشركة . يقال : آذنه الأمر وبه . أعلمه .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

{ إليه يرد علم الساعة } لأنه لا يعلمه غيره { وما تخرج من ثمرات من أكمامها } أوعيتها { ويوم يناديهم أين شركائي } الذين كنتم تزعمون { قالوا آذناك } أعلمناك { ما منا من شهيد } شاهد أن لك شريكا لما عاينوا القيامة تبرؤوا من معبوديهم

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

قوله تعالى : " إليه يرد علم الساعة " أي حين وقتها . وذلك أنهم قالوا : يا محمد إن كنت نبيا فخبرنا متى قيام الساعة فنزلت : " وما تخرج من ثمرات " " من " زائدة أي وما تخرج ثمرة . " من أكمامها " أي من أوعيتها ، فالأكمام أوعية الثمرة ، واحدها كمة وهي كل ظرف لمال أو غيره ؛ ولذلك سمي قشر الطلع أعني كفراه الذي ينشق عن الثمرة كمة . قال ابن عباس : الكمة الكفرى قبل أن تنشق ، فإذا انشقت فليست بكمة . وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة [ الرحمن ]{[13450]} . وقرأ نافع وابن عامر وحفص " من ثمرات " على الجمع . الباقون " ثمرة " على التوحيد والمراد الجمع ، لقوله : " وما تحمل من أنثى " والمراد الجمع ، يقول : " إليه يرد علم الساعة " كما يرد إليه علم الثمار والنتاج . " ويوم يناديهم " أي ينادي الله المشركين " أين شركائي " الذين زعمتم في الدنيا أنها آلهة تشفع . " قالوا " يعني الأصنام . وقيل : المشركون . ويحتمل أن يريدهم جميعا العابد والمعبود " آذناك " أسمعناك وأعلمناك . يقال : آذن يؤذن : إذا أعلم ، قال{[13451]} :

آذنَتْنَا ببينِها أسماءُ *** رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ

قوله تعالى : " ما منا من شهيد " أي نعلمك ما منا أحد يشهد بأن لك شريكا . لما عاينوا القيامة تبرؤوا من الأصنام وتبرأت الأصنام منهم كما تقدم في غير موضع{[13452]} .


[13450]:في تفسير قوله تعالى:" والنخل ذات الأكمام" آية 11.
[13451]:هو الحرث بن حلزة، والبيت مطلع معلقته.
[13452]:راجع ج 13 ص 303 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ أَيۡنَ شُرَكَآءِي قَالُوٓاْ ءَاذَنَّـٰكَ مَامِنَّا مِن شَهِيدٖ} (47)

ولما تضمنت الآية السالفة الجزاء على كل جليل وحقير ، وقليل وكثير ، والبراءة من الظلم ، كما قال تعالى { وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون }{ ووفيت كل نفس ما عملت }[ آل عمران : 25 ] { وهو أعلم بما يفعلون } وأشير إلى التوعد بالجزاء في يوم الفصل لأنا نشاهد أكثر الخلق يموت من غير جزاء ، وكان من عادتهم السؤال عن علم ذلك اليوم ، وكان ترك الجزاء إنما يكون للعجز ، والظلم إنما يكون للجهل ، لأنه وضع الأشياء في غير محالها فعل الماشي في الظلام ، دل على تعاليه عن كل منهما بتمام العلم المستلزم لشمول القدرة على وجه فيه جوابهم عن السؤال عن علم الوقت الذي تقوم فيه الساعة الذي كان سبباً لنزول هذه الآية - كما ذكره ابن الجوزي - بقوله على سبيل التعليل : { إليه } أي إلى المحسن إليك لا إلى غيره { يرد } من كل راد { علم الساعة } أي التي لا ساعة في الحقيقة غيرها ، لما لها من الأمور التي لا نسبة لغيرها بها ، فهي الحاضرة لذلك في جميع الأذهان ، وإنما يكون الجزاء على الإساءة والإحسان فيها حتى يظهر لكل أحد ظهوراً بينا لكل أحد أنه لا ظلم أصلاً ، فلا يمكن أن يسأل أحد سواه عنها ويخبر عنها بما يغنى في تعيين وقتها وكيفيتها وصنعتها ، وكلما انتقل السائل من مسؤول إلى أعلم منه وجده كالذي قبله حتى يصل الأمر إلى الله تعالى ، والعالم منهم هو الذي يقول : الله أعلم ، فاستئثاره بعلمها دال على تناهي علمه ، وحجبه له عن كل من دونه دال على تمام قدرته ، واجتماع الأمرين مستلزم لبعده عن الظلم ، وأنه لا يصح اتصافه به ، فلا بد من إقامته لها ليوفي كل ذي حق حقه ، ويأخذ لكل مظلوم ظلامته غير متعتع .

ولما كانوا ينازعون في وقوعها فضلاً عن العلم بها ، عدها أمراً محققاً مفروغاً منه وذكر ما يدل على شمول علمه لكل حادث في وقته دليلاً على علمه بما يعين وقت الساعة ، وذلك على وجه يدل على قدرته عليها وعلى كل مقدور بما لا نزاع لهم فيه من ثمرات النبات والحيوان التي هي خبء في ذوات ما هي خارجة منه ، فهي كخروج الناس بعد موتهم من خبء الأرض ، فقال مقدماً للرزق على الخلق كما هو الأليق ، عطفاً على ما تقديره : فما يعلمها ولا يعلمها إلا هو : { وما تخرج } أي في وقت من الأوقات الماضية والكائنة والآتية ، فإن " ما " النافية لا تدخل إلا على معناه الحلول ، فالمراد مجرد تصوير الحال وإن كان زمانه قد مضى أو لم يأت ، وأكد النفي بالجار فقال : { من ثمرات } أي صغيرة أو كبيرة صالحة أو فاسدة من الفواكه والحبوب وغيرها ؛ والإفراد في قراءة الجماعة للجنس الصالح للقليل والكثير ، نبهت قراءة نافع وابن عامر وحفص عن عاصم بالجمع على كثرة الأنواع { من أكمامها } جمع كم وكمامة بالكسر فيهما وهو وعاء الطلع وغطاء النور ، وكل ما غطى على وجه الإحاطة شيئاً من شأنه أن يخرج فهو كم ، ومنه قيل للقلنسوة : كمة ، ولكم القميص ونحوه : كم ، أي إلا بعلمه { وما تحمل من أنثى } خداجاً أو تماماً ، ناقصاً أو تاماً ، وكذا النفي باعادة النافي ليشمل كلا على حياله ، وعبر ب " لا " لأن الوضع ليس كالحمل يقع في لحظة بل يطول زمان انتظاره فقال : { ولا تضع } حملاً حياً أو ميتاً { إلا } حال كونه ملتبساً { بعلمه } ولا علم لأحد غيره بذلك ، ومن ادعى علماً به فليخبر بأن ثمرة الحديقة الفلانية والبستان الفلاني والبلد الفلاني تخرج في الوقت الفلاني أو لا تخرج العام شيئاً أصلاً ، والمرأة الفلانية تحمل في الوقت الفلاني وتضع في وقت كذا أو لا تحمل العام شيئاً ، ومن المعلوم أنه لا يحيط بهذا علماً إلا الله سبحانه وتعالى .

ولما ثبت بهذا علمه صريحاً وقدرته لزوماً وعجز من سواه وجهله ، وتقرر بذلك أمر الساعة من أنه قادر عليها بما أقام من الأدلة ، وأنه لا بد من كونها لما وعد به من تكوينها لينصف المظلوم من ظالمه لأنه حكيم ولا يظلم أحداً وإن كانوا في إيجادها ينازعون ، وله ينكرون قال تعالى مصوراً ما تضمنه ما سبق من جهلهم ، ومقرراً بعض أحوال القيامة ، عاطفاً على أرشد السياق إلى تقديره من نحو : فهو على كل شيء قدير لأنه على كل شيء شهيد وهم بخلاف ذلك ، مقرراً قدرته تصريحاً وعجز ما ادعوا من الشركاء : { ويوم يناديهم } أي المشركين بعد بعثهم من القبور ، للفصل بينهم في سائر الأمور فيقول المحسن إليك بأنواع الإحسان الذي منه إنصاف المظلوم من ظالمه على سبيل التوبيخ والتقريع والتنديم : { أين شركائي } أي الذين زعمتم أنهم يشفعون لكم في هذا اليوم ويحمونكم من العقاب واللوم ، والعامل في الظرف { قالوا } أي المشركون : { آذنّاك } أي أعلمناك سابقاً بألسنة أحوالنا والآن بألسنة مقالنا ، وفي كلتا الحالتين أنت سامع لذلك لأنك سامع لكل ما يمكن أن يسمع وإن لم يسمعه غيرك ، ولذا عبروا بما منه الإذن { ما منا } وأكدوا النفي بإدخال الحار في المبتدأ المؤخر فقالوا : { من شهيد * } أي حي دائماً حاضر دون غيبة ، مطلع على ما يريد من غير خفاء بحيث لا يغيب عن علمه شيء فيخبر بما يخبر به على سبيل القطع والشهادة ، فآل الأمر إلى أن المعنى : لا نعلم أي ما كنا نسميهم شركاء لأنه ما منا من هو محيط العلم .