في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

57

( لو نشاء جعلناه أجاجا ) . مالحا لا يستساغ ، ولا ينشئ حياة . فهلا يشكرون فضل الله الذي أجرى مشيئته بما كان ?

والمخاطبون ابتداء بهذا القرآن كان الماء النازل من السحائب ، في صورته المباشرة ، مادة حياتهم ، وموضع احتفالهم ، والحديث الذي يهز نفوسهم ، وقد خلدته قصائدهم وأشعارهم . . ولم تنقص قيمة الماء بتقدم الإنسان الحضاري ، بل لعلها تضاعفت . والذين يشتغلون بالعلم ويحاولون تفسير نشأة الماء الأولى أشد شعورا بقيمة هذا الحدث من سواهم . فهو مادة اهتمام للبدائي في الصحراء ، وللعالم المشتغل بالأبحاث سواء .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

أُجاجاً : مالحاً لا يصلح للشرب .

فلولا تشكرون : فهلاّ تشكرون .

إننا لو نشاءُ لجعلْنا هذا الماءَ العذبَ مالحاً لا يمكن شربه ، فهلاّ تشكرون الله على هذه النعمة وعلى أن جعله عذباً سائغا ! ؟ .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

{ لَوْ نَشَاء جعلناه أُجَاجاً } ملحاً ذعاقاً لا يمكن شربه من الأجيج وهو تلهب النار ، وقيل : الأجاج كل ما يلذع الفم ولا يمكن شربه فيشمل الملح والمر والحار ، فإما أن يراد ذلك ، أو الملح بقرينة المقام وحذفت اللام من جواب لو ههنا للقرينة اللفظية والحالية ومتى أجاز حذف لم أر في قول أوس

: حتى إذا الكلاب قال لها *** ( . . . ) كاليوم مطلوباً ولا طلبا

والقرينة حالية فأولى أن يجوز حذفها وحدها لذلك على ما قرره الزمخشري ، وقرر وجهاً آخر حاصله أن اللام لمجرد التأكيد فتناسب مقام التأكيد فأدخلت في آية المطعوم دون المشروب للدلالة على أن أمره مقدم على أمره ، وأن الوعيد بفقده أشدّ وأصعب من قبل أن المشروب تبع له ألا يرى أن الضيف يسقي بعد أن يطعم ، وقد ذكر الأطباء أن الماء مبذرق ، ويؤيد ذلك تقديمه على المشروب في النظم الجليل ، وللإمام في هذا المقام كلام طويل اعترض به على الزمخشري وبين فيه وجه الذكر أولاً والحذف ثانياً ، ولم أره أتى بما يشرح الصدر ، وخير منه عندي قول ابن الأثير في المثل السائل : إن اللام أدخلت في المطعوم دون المشروب لأن جعل الماء العذب ملحاً أسهل إمكاناً في العرف والعادة والموجود من الماء الملح أكثر من الماء العذب ، وكثيراً ما إذا جرت المياه العذبة على الأراضي المتغيرة التربة أحالتها إلى الملوحة فلم يحتج في جعل الماء العذب ملحاً إلى زيادة تأكيد فلذا لم تدخل لام التأكيد المفيدة لزيادة التحقيق ، وأما المطعوم فإن جعله حطاماً من الأشياء الخارجة عن المعتاد وإذا وقع يكون عن سخط شديد ، فلذا قرن باللام لتقرير إيجاده وتحقيق أمره انتهى .

{ فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } تحضيض على شكر الكل لأنه أفيد دون عذوبة الماء فقط كما ذهب إليه البعض .

نعم أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أذا شرب الماء قال : الحمد لله الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا » .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

ولو شاء لجعله ملحا أجاجا مكروها للنفوس . لا ينتفع به { فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } الله تعالى على ما أنعم به عليكم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

قوله : { لو نشاء جعلناه أجاجا } أي لو أردنا أن نجعله ملحا زعاقا لجعلناه وحينئذ لا يصلح لشرب ولا زرع .

قوله : { فلولا تشكرون } لولا ، أداة تحضيض . يعني شكرتم الله على ما أنعم به عليكم من خيرات الأرض وبركات السماء ، إذ أنبت لكم من الأرض الزرع وأنزل إليكم من السماء ماء نقيا طهورا تشربونه وتسقون منه زرعكم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} (70)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لو نشاء} بعد العذوبة {جعلناه أجاجا} يعني مالحا مرا من شدة الملوحة {فلولا} يعني فهلا {تشكرون} رب هذه النعم فتوحدونه حين سقاكم ماء عذبا...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

... والأجاج من الماء: ما اشتدّت ملوحته، يقول: لو نشاء فعلنا ذلك به، فلم تنتفعوا به في شرب ولا غرس.

وقوله:"فَلَوْلا تَشْكُرُونَ "يقول تعالى ذكره: فهلا تشكرون ربكم على إعطائه ما أعطاكم من الماء العذب لشربكم ومنافعكم، وصلاح معايشكم، وتركه أن يجعله أُجاجا لا تنتفعون به.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(لو نشاء جعلناه أجاجا) قال الفراء: الأجاج: المر الشديد المرارة من الماء...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والأجاج: أشد المياه ملوحة، وهو ماء البحر الأخضر...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 68]

ثم قال تعالى: {أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون، لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون}.

خصه بالذكر لأنه ألطف وأنظف أو تذكيرا لهم بالإنعام عليهم، والمزن السحاب الثقيل بالماء لا بغيره من أنواع العذاب يدل على ثقله قلب اللفظ وعلى مدافعة الأمر وهو التزم في بعض اللغات السحاب الذي مس الأرض وقد تقدم تفسير الأجاج أنه الماء المر من شدة الملوحة، والظاهر أنه هو الحار من أجيج النار كالحطام من الحطيم، وقد ذكرناه في قوله تعالى: {هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج} ذكر في الماء الطيب صفتين إحداهما عائدة إلى طعمه والأخرى عائدة إلى كيفية ملمسه وهي البرودة واللطافة، وفي الماء الآخر أيضا صفتين إحداهما عائدة إلى طعمه والأخرى عائدة إلى كيفية لمسه وهي الحرارة.

ثم قال تعالى: {فلولا تشكرون} لم يقل عند ذكر الطعام الشكر وذلك لوجهين؛

(أحدهما) أنه لم يذكر في المأكول أكلهم، فلما لم يقل: تأكلون لم يقل: تشكرون وقال في الماء: {تشربون} فقال: {تشكرون}.

(والثاني) أن في المأكول قال: {تحرثون} فأثبت لهم سعيا فلم يقل: تشكرون. وقال في الماء: {أنزلتموه من المزن} لا عمل لكم فيه أصلا فهو محض النعمة. فقال: {فلولا تشكرون} (وفيه وجه ثالث) وهو الأحسن أن يقال: النعمة لا تتم إلا عند الأكل والشرب ألا ترى أن في البراري التي لا يوجد فيها الماء لا يأكل الإنسان شيئا مخافة العطش، فلما ذكر المأكول أولا وأتمه بذكر المشروب ثانيا قال: {فلولا تشكرون} على هذه النعمة التامة.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ودخلت اللام في {لجعلناه حطاماً}، وسقطت في قوله: {جعلناه أجاجاً}، وكلاهما فصيح...

وأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمطعوم، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان الجواب: أنت وحدك فعلت ذلك على غناك عن الخلق بما لك من الرحمة وكمال الذات والصفات، قال مذكراً بنعمة أخرى: {لو نشاء} أي حال إنزاله وبعده قبل أن ينتفع به. ولما كانت صيرورة الماء ملحاً أكثر من صيرورة النبت حطاماً، ولم يؤكد لذلك وللتنبيه على أن السامعين لما مضى التوقيف على تمام القدرة صاروا في حيز المعترفين فقال تعالى: {جعلناه} أي بما تقتضيه صفات العظمة {أجاجاً} أي ملحاً مراً محرقاً كأنه في الأحشاء لهيب النار المؤجج فلا يبرد عطشاً ولا ينبت نبتاً ينتفع به. ولما كان هذا مما لا يساغ لإنكاره، سبب عنه على سبيل الإنكار والتحضيض قوله: {فلولا تشكرون} أي فهل لا ولم لا تجددون الشكر على سبيل الاستمرار باستعمال ما أفادكم ذلك من القوى في طاعة الذي أوجده لكم ومكنكم منه وجعله ملائماً لطباعكم مشتهى لنفوسكم نافعاً لكم في كل ما ترونه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والمخاطبون ابتداء بهذا القرآن كان الماء النازل من السحائب، في صورته المباشرة، مادة حياتهم، وموضع احتفالهم، والحديث الذي يهز نفوسهم، وقد خلدته قصائدهم وأشعارهم.. ولم تنقص قيمة الماء بتقدم الإنسان الحضاري، بل لعلها تضاعفت. والذين يشتغلون بالعلم ويحاولون تفسير نشأة الماء الأولى أشد شعورا بقيمة هذا الحدث من سواهم. فهو مادة اهتمام للبدائي في الصحراء، وللعالم المشتغل بالأبحاث سواء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

موقعها كموقع جملة {لو نشاء لجعلناه حطاماً} [الواقعة: 65] والمعنى: لو نشاء جعلناه غير نافع لكم. فهذا استدلال بأنه قادر على نقض ما في الماء من الصلاحية للنفع بعد وجود صورة المائية فيه. فوزان هذا وزانُ قوله: {نحن قدرنا بينكم الموت} [الواقعة: 60] وقوله: {لو نشاء لجعلناه حطاماً} [الواقعة: 65]. وحذفت اللام التي شأنها أن تدخل على جواب {لو} الماضي المثبت لأنها لام زائدة لا تفيد إلا التوكيد فكان حذفها إيجازاً في الكلام.