في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (24)

ويسارع السياق هنا إلى عرض قولة الطاغية الكافرة ، مجملا مشاهد سعيه وحشره للسحرة وتفصيلاتها . فقد أدبر يسعى في الكيد والمحاولة ، فحشر السحرة والجماهير ؛ ثم انطلقت منه الكلمة الوقحة المتطاولة ، المليئة بالغرور والجهالة : ( أنا ربكم الأعلى ) . .

قالها الطاغية مخدوعا بغفلة جماهيره ، وإذعانها وانقيادها . فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها . وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا . إنما هي الجماهير الغافلة الذلول ، تمطي له ظهرها فيركب ! وتمد له أعناقها فيجر ! وتحني له رؤوسها فيستعلي ! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى !

والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى . وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم . فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين ، لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها . وكل فرد فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوة ولكن الطاغية يخدعها فيوهمها أنه يملك لها شيئا ! وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدا . وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدا . وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها وتؤمن به وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرا ولا رشدا !

فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذلة ومن خواء القلب من الإيمان ، ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة : ( أنا ربكم الأعلى ) . . وما كان ليقولها أبدا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة ، تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء . وإن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذ من الذباب شيئا !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (24)

قائلا إنه هو الربّ الأعلى ، لا سلطانَ يعلو سلطانه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (24)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فجمع قومه وأتباعه. فنادى فيهم فَقالَ لهم:"أنا رَبّكُمُ الأعْلَى "الذي كلّ ربّ دوني، وكذَبَ الأحمقُ...

قال ابن زيد، في قوله: "فَحَشَر فَنادَى" قال: صرخ وحشر قومه، فنادى فيهم، فلما اجتمعوا قال: أنا ربكم الأعلى، "فأخذه الله نَكالَ الآخرةِ والأولى"...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وذلك اللعين قد علم أنه ليس رب السماء والأرض، ولكن قد اتخذ لقومه أصناما، فأمر العوام أن يعبدوها ليقربهم ذلك إليه. لكن إذا صاروا من خاصيته أذن لهم بأن يعبدوه، وأمر الخواص منهم بعبادته، فسمى نفسه أعلى الأرباب لهذا...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{أنا ربكم الأعلى} فدلت هذه الآية على أنه في ذلك الوقت صار كالمعتوه الذي لا يدري ما يقول. واعلم أنه تعالى لما حكى عنه أفعاله وأقواله أتبعه بما عامله به وهو قوله تعالى: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فقال} أي مناديه الذي لا يشك أنه عنه...

أنا {ربكم الأعلى} فكان هذا نداؤه يعني كلكم أرباب بعضكم فوق بعض وأنا أعلاكم، ولا رب فوقي أصلاً، وذلك لأن الإله عنده الطبيعة، وهي مقسمة في الموجودات، فهم كلهم أرباب... وهذا دعاه إليه الكبر الناشئ من فتنة السراء التي الصبر فيها أعظم من الصبر في الضراء...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(أنا ربكم الأعلى).. قالها الطاغية مخدوعا بغفلة جماهيره، وإذعانها وانقيادها. فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها. وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا. إنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب! وتمد له أعناقها فيجر ....

... (أنا ربكم الأعلى).. وما كان ليقولها أبدا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة، تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء. وإن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذ من الذباب شيئا!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والقول الذي نادى به هو تذكير قومِه بمعتقدهم فيه فإنهم كانوا يعتبرون مَلك مصر إلها لأن الكهنة يخبرونهم بأنه ابن (آمون رَعْ) الذي يجعلونه إلها ومَظهَره الشمس...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(فقال أنا ربّكم الأعلى). نعم.. فحينما يقبع المتجبّر في عرش الغرور، وحينما تلُفّه أمواج الأنانية المفرطة، حينها.. سيجرفه تيار الإفراط لأن يدعي لنفسه الربوبية، بل ويجره فقدان بصيرته، وانحسار فطرته بين ظلمات أنانيته لأن يدعي أنّه (ربّ الأرباب)!! وأوصل فرعون قولته إلى الناس ليخبرهم بأنّه لا يعارض ما لهم من أصنام يعبدونها، لكنّه فوقها جميعاً فهو (المعبود الأعلى)! وألطف ما في الأمر، إنّ فرعون نفسه كان أحد عبدة الأصنام، بشهادة الآية (127) من سورة الأعراف: (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك)، فادعاؤه بأنّه (الربّ الأعلى) قد سرى حكمه حتى على آلهته لتكون من عبيده!.. نعم، فهكذا هو هذيان الطواغيت. وقد ادعى فرعون بأكثر من (ربّ الأرباب)، ليضيف إلى هذيان الطغاة حماقة، حينما ورد قوله في الآية (38) من سورة القصص: (ما علمت لكم من إله غيري)! ....

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (24)

{ فقال } أي مناديه الذي لا يشك أنه عنه ، فكان قوله كقوله{[71437]} : { أنا } وقال{[71438]} حمزة الكرماني : قال له موسى عليه السلام : إن ربي أرسلني إليك ، لئن آمنت بربك تكون أربعمائة سنة في السرور والنعيم ، ثم تموت فتدخل الجنة ، فقال : حتى أستشير هامان ، فاستشاره فقال : أتصير عبداً بعد {[71439]}ما كنت{[71440]} رباً تعبد ، فعند ذلك بعث الشرط وجمع السحرة والجنود ، فلما اجتمعوا قام عدو الله على سريره فقال : أنا { ربكم الأعلى * } فكان هذا نداؤه يعني كلكم أرباب بعضكم فوق بعض وأنا أعلاكم ، ولا رب فوقي أصلاً ، وذلك لأن الإله عنده{[71441]} الطبيعة ، وهي مقسمة{[71442]} في الموجودات ، فهم كلهم أرباب ، ومن كان أعلى كان أقعد في المراد ، وهو كان أعلى منهم فقبحه الله ولعنه ولعن من تمذهب بمذهبه كابن عربي وابن الفارض{[71443]} وأتباعهما حيث أنكروا المختار الملك القهار ، ورسوله المصطفى المختار ، وتبعوا في وحدة الوجود بعض الفلاسفة ثم{[71444]} الحلاج بعد فرعون هذا الذي لم يصرح الله بذم أحد ما صرح بذمه ، ولم يصرح بشقاء أحد ما صرح بشقائه ، كهذه الآية فإنها مصرحة بوقوع نكاله في الآخرة كما وقع في الدنيا ، و-{[71445]} قوله تعالى :

{ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم المقبوحين }[ القصص : 40 - 42 ] إلى غير ذلك من الآيات البينات {[71446]}والدلائل الواضحات التي لا تحصى{[71447]} وهي كثيرة ، وأعظمها القياس البديهي الإنتاج{[71448]}

{ وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين }[ يونس : 83 ]

{ وإن المسرفين هم أصحاب النار }[ غافر : 43 ] ويروى{[71449]} أن إبليس لما سمع منه قوله هذا قال : إني{[71450]} تجبرت على آدم فلقيت{[71451]} ما لقيت ، وهذا يقول هذا ؟ وهذا دعاه إليه الكبر الناشىء من فتنة السراء التي الصبر فيها أعظم من الصبر في الضراء ، قال الإمام-{[71452]} الغزالي في كتاب الصبر من الإحياء{[71453]} : فالصبر على الطاعة شديد لأن النفس بطبعها تنفر عن{[71454]} العبودية وتشتهي الربوبية ، ولذلك{[71455]} قال بعض العارفين : ما من نفس إلا وهي مضمرة ما أظهره فرعون من قوله { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] ولكن فرعون وجد له-{[71456]} مجالاً وقبولاً {[71457]}فأظهره إذ استخف{[71458]} فأطاعوه-{[71459]} وما من أحد إلا وهو يدعي ذلك مع عبده وخادمه وأتباعه وكل من هو تحت قهره وطاعته وإن كان ممتنعاً من إظهاره ، فإن امتعاضه وغيظه عند تقصيرهم في خدمته لا يصدر إلا عن إضمار الكبر ومنازعة الربوبية في رداء الكبرياء - انتهى . ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم ما لام خادمه في شيء قط - والله تعالى هو الموفق للصواب{[71460]} .


[71437]:من ظ و م، وفي الأصل: حال النداء.
[71438]:من ظ و م، وفي الأصل: قرا.
[71439]:من ظ و م، وفي الأصل: أن تكون.
[71440]:من ظ و م، وفي الأصل: أن تكون.
[71441]:من ظ و م، وفي الأصل: عند.
[71442]:من ظ و م، وفي الأصل: منقسمة.
[71443]:زيد في الأصل: هم، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[71444]:زيد في الأصل: إن، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[71445]:زيد من ظ و م.
[71446]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[71447]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[71448]:من ظ و م، وفي الأصل: ألاح-كذا.
[71449]:من ظ و م، وفي الأصل: روى.
[71450]:في ظ و م: أنا.
[71451]:من ظ و م، وفي الأصل: فألقيت.
[71452]:زيد من ظ و م.
[71453]:راجع 4/45.
[71454]:من ظ و م والإحياء، وفي الأصل: من.
[71455]:من ظ و م والإحياء، وفي الأصل: فلذلك.
[71456]:زيد من الإحياء.
[71457]:من ظ و م والإحياء، وفي الأصل: فإذا استحق.
[71458]:من ظ و م والإحياء، وفي الأصل: فإذا استحق.
[71459]:زيد من الإحياء.
[71460]:في ظ و م: الموفق.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (24)

قوله : { أنا ربكم الأعلى } أي ليس لكم من رب فوقي ، بل كل رب دوني .