اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (24)

{ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } أي : لا ربَّ فوقِي .

وقيل : أمر منادياً ينادي فنادى في النَّاس بذلك .

وقيل : قام فيهم خطيباً فقال ذلك .

وعن ابن عباس ، ومجاهدٍ ، والسديِّ ، وسعيد بن جبير ، ومقاتلٍ : كلمته الأولى { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي } [ القصص : 38 ] والأخرى : { أنَا ربُّكمُ الأعْلَى }{[59287]} .

قال ابنُ عباس : كان بين الكلمتين أربعون سنة{[59288]} ، والمعنى : أمهله في الأولى ، ثم أخذه في الآخرة فعذبه بكلمتيه .

قال ابن الخطيب{[59289]} : واعلم أنَّا بينَّا في سورة «طه » أنه لا يجوز أن يعتقد الإنسانُ في نفسه كونه خالقاً للسماوات والأرض والجبال والنبات والحيوان ، فإنَّ العلمَ بفسادِ ذلك ضروريٌّ ، فمن تشكك فيه كان مجنوناً ، ولو كان مجنوناً لما جاز من الله بعثة الرسل إليه ، بل الرَّجل كان دهرياً منكراً للصَّانع والحشر والنشر ، وكان يقول : ليس لأحدٍ أمرٌ ولا نهيٌ إلاَّ لي «فأنَا ربُّكم » ، بمعنى مربيكم والمُحسنُ إليكم ، وليس للعالم إله حتى يكون له عليكم أمرٌ ، أو نهيٌ ، أو يبعث إليكم رسولاً .

قال القاضي : وقد كان الأليق به بعد ظهور خزيه عند انقلاب العصا حية ألا يقول هذا القول ؛ لأن عند ظهور الدلالة والمعجزة ، كيف يليق أن يقول : «أنَا ربُّكم الأعْلَى » فدلت هذه الآية أنَّه في ذلك الوقت صار كالمعتوه الذي لا يدري ما يقول .


[59287]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/513)، عن ابن عباس ومجاهد والشعبي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/513)، عن الشعبي وعزاه إلى عبد بن حميد.
[59288]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/434)، عن مجاهد وخيثمة الجعفي. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/513)، عن خيثمة وعزاه إلى عبد الرزاق وابن المنذر. وذكره أيضا عن الله بن عمرو بن العاص وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[59289]:ينظر: الفخر الرازي 31/39.