غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (24)

1

وقيل : قام فيهم خطيباً فقال ما قال .

وانتصب { نكال الآخرة } على أنه مصدر مؤكد كأنه قيل : نكل الله به نكالاً وهو مصدر كالتنكيل مثل السلام والتسليم . قال الحسن وقتادة : عذاب الآخرة الإحراق وعذاب الأولى الإغراق . وقيل : الآخرة والأولى صفتان لكلمتي فرعون . ثم اختلفوا فعن مجاهد والشعبي وسعيد بن جبير ومقاتل ورواية عطاء والكلبي عن ابن عباس أن كلمته الأولى { ما علمت لكم من إله غيري } [ القصص :38 ] والثانية { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات :24 ] وبينهما أربعون سنة أو عشرون ، وفيه دليل على أنه تعالى يمهل ولا يهمل .

وذكر قوم واستحسنه القفال أن كلمته الأولى تكذيب موسى حين أراه الآية ، والأخرى هي قوله { أنا ربكم الأعلى } وقد يدور في الخلد أن كلمته الأولى هي قوله { أنا ربكم } والآخرة وصفه بالأعلى فإنه لو اقتصر على الأولى لم يكن كفراً بدليل قول يوسف { ارجع إلى ربك } [ يوسف :50 ] { إنه ربي أحسن مثواي }

[ يوسف :23 ] لكنه لما وصفه بالأعلى صار كفراً فأخذه بالأولى والآخرة .

قال الإمام فخر الدين الرازي : إن العاقل لا يشك في نفسه أنه ليس خالق السماوات والأرض وما بينهما ، فالوجه أن يقال : إن فرعون كان دهرياً منكراً للصانع والحشر والجزاء وكان يقول ليس لأحد عليكم أمر ولا نهي سواي فأنا ربكم بمعنى مربيكم والمحسن إليكم . وأقول : كما أن نسبة الإنسان خلق العالم إلى نفسه يوجب الحكم عليه بالجنون وسخافة العقل فالقول بنفي الصانع ونسبة وجود الأشياء إلى ذواتها مع تغيرها في أنفسها يوجب الحكم عليه بعدم العقل فما الفرق بين الأمرين ؟ وأيّ استبعاد في ذلك وقد قال الله تعالى { إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى } [ العلق :7 ] وسكر الدنيا أشدّ من سكر الخمر فإن الثمل من الخمر يرجى صحوه والثمل من شراب حب المال والجاه الطافح من خيال الرياسة لا ترجى إفاقته .

/خ46