مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (24)

وعن ابن عباس كلمته الأولى : { ما علمت لكم من إله غيري } والآخرة : { أنا ربكم الأعلى } .

واعلم أنا بينا في سورة ( طه ) أنه لا يجوز أن يعتقد الإنسان في نفسه كونه خالقا للسموات والأرض والجبال والنبات والحيوان والإنسان ، فإن العلم بفساد ذلك ضروري ، فمن تشكك فيه كان مجنونا ، ولو كان مجنونا لما جاز من الله بعثة الأنبياء والرسل إليه ، بل الرجل كان دهريا منكرا للصانع والحشر والنشر ، وكان يقول ليس لأحد عليكم أمر ولا نهي إلا لي ، فأنا ربكم بمعنى مربيكم والمحسن إليكم ، وليس للعالم إله حتى يكون له عليكم أمر ونهي ، أو يبعث إليكم رسولا ، قال القاضي : وقد كان الأليق به بعد ظهور خزيه عند انقلاب العصا حية ، أن لا يقول هذا القول . لأن عند ظهور الذلة والعجز ، كيف يليق أن يقول : { أنا ربكم الأعلى } فدلت هذه الآية على أنه في ذلك الوقت صار كالمعتوه الذي لا يدري ما يقول . واعلم أنه تعالى لما حكى عنه أفعاله وأقواله أتبعه بما عامله به وهو قوله تعالى : { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى }