في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الدخان مكية وآياتها تسع وخمسون

يشبه إيقاع هذه السورة المكية ، بفواصلها القصيرة ، وقافيتها المتقاربة ، وصورها العنيفة ، وظلالها الموحية . . يشبه أن يكون إيقاعها مطارق على أوتار القلب البشري المشدودة .

ويكاد سياق السورة أن يكون كله وحدة متماسكة ، ذات محور واحد ، تشد إليه خيوطها جميعاً . سواء في ذلك القصة ، ومشهد القيامة ، ومصارع الغابرين ، والمشهد الكوني ، والحديث المباشر عن قضية التوحيد والبعث والرسالة . فكلها وسائل ومؤثرات لإيقاظ القلب البشري واستجاشته لاستقبال حقيقة الإيمان حية نابضة ، كما يبثها هذا القرآن في القلوب .

وتبدأ السورة بالحديث عن القرآن وتنزيله في ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم ، رحمة من الله بالعباد وإنذاراً لهم وتحذيراً . ثم تعريف للناس بربهم : رب السماوات والأرض وما بينهما ، وإثبات لوحدانيته وهو المحيي والمميت رب الأولين والآخرين .

ثم يضرب عن هذا الحديث ليتناول شأن القوم : ( بل هم في شك يلعبون ) ! ويعاجلهم بالتهديد المرعب جزاء الشك واللعب : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ) . . ودعاءهم بكشف العذاب عنهم وهو يوم يأتي لا يكشف . وتذكيرهم بأن هذا العذاب لم يأت بعد ، وهو الآن عنهم مكشوف ، فلينتهزوا الفرصة ، قبل أن يعودوا إلى ربهم ، فيكون ذلك العذاب المخوف : ( يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ) . .

ومن هذا الإيقاع العنيف بمشهد العذاب ومشهد البطشة الكبرى والانتقام ؛ ينتقل بهم إلى مصرع فرعون وملئه يوم جاءهم رسول كريم ، وناداهم : أن أدوا إليَّ عباد الله إني لكم رسول أمين . وألا تعلوا على الله . . فأبوا أن يسمعوا حتى يئس منهم الرسول . ثم كان مصرعهم في هوان بعد الاستعلاء والاستكبار : ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين . كذلك وأورثناها قوماً آخرين . فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ) . .

وفي غمرة هذا المشهد الموحي يعود إلى الحديث عن تكذيبهم بالآخرة ، وقولهم : ( إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين ، فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين )ليذكرهم بمصرع قوم تبع ، وما هم بخير منهم ليذهبوا ناجين من مثل مصيرهم الأليم .

ويربط بين البعث ، وحكمة الله في خلق السماوات والأرض ، ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين . ما خلقناهما إلا بالحق . ولكن أكثرهم لا يعلمون ) . .

ثم يحدثهم عن يوم الفصل : ( ميقاتهم أجمعين ) . وهنا يعرض مشهداً عنيفاً للعذاب بشجرة الزقوم ، وعتل الأثيم ، وأخذه إلى سواء الجحيم ، يصب من فوق رأسه الحميم . مع التبكيت والترذيل : ( ذق إنك أنت العزيز الكريم . إن هذا ما كنتم به تمترون ) . .

وإلى جواره مشهد النعيم عميقاً في المتعة عمق مشهد العذاب في الشدة . تمشياً مع ظلال السورة العميقة وإيقاعها الشديد . .

وتختم السورة بالإشارة إلى القرآن كما بدأت : ( فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) . . وبالتهديد الملفوف العنيف : ( فارتقب إنهم مرتقبون ) .

إنها سورة تهجم على القلب البشري من مطلعها إلى ختامها ، في إيقاع سريع متواصل . تهجم عليه بإيقاعها كما تهجم عليه بصورها وظلالها المتنوعة المتحدة في سمة العنف والتتابع . وتطوف به في عوالم شتى بين السماء والأرض ، والدنيا والآخرة ، والجحيم والجنة ، والماضي والحاضر ، والغيب والشهادة ، والموت والحياة ، وسنن الخلق ونواميس الوجود . . فهي - على قصرها نسبياً - رحلة ضخمة في عالم الغيب وعالم الشهود . .

( حم . والكتاب المبين . إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم . أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين . رحمة من ربك إنه هو السميع العليم . رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين . لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين ) . .

تبدأ السورة بالحرفين حا . ميم . على سبيل القسم بهما وبالكتاب المبين المؤلف من جنسهما . وقد تكرر الحديث عن الأحرف المقطعة في أوائل السور ؛ فأما عن القسم بهذه الأحرف كالقسم بالكتاب ، فإن كل حرف معجزة حقيقية أو آية من آيات الله في تركيب الإنسان ، وإقداره على النطق ، وترتيب مخارج حروفه ، والرمز بين اسم الحرف وصوته ، ومقدرة الإنسان على تحصيل المعرفة من ورائه . . وكلها حقائق عظيمة تكبر في القلب كلما تدبرها مجرداً من وقع الألفة والعادة الذي يذهب بكل جديد !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الدخان مكية وآياتها تسع وخمسون ، نزلت بعد سورة الزخرف . وهي كباقي السور المكية تُعنى بالتوحيد والبعث والرسالة ، لتركيز العقيدة ، وتثبيت دعائم الإيمان بالله الواحد الأحد . ويكاد سياق السورة يكون كله وحدة متماسكة في الحديث عن مشهد يوم القيامة ، ومصارع الغابرين ، والمشهد الكونيّ ، ثم تقريع المشركين ، وإنذارهم بحلول الجدْب والقحط بهم . وهو يذكّرهم بقصص فرعون وقوم موسى عليه السلام وكيف أنجى الله المؤمنين ، وأهلكَ الكافرين .

وتبدأ السورة بالحديث عن القرآن الكريم وتنزيله في ليلة مباركة ، فيها يُفرق كل أمر حكيم ، والقرآن رأس الحكمة ، والفيصل بين الحق والباطل . وهو رحمة من الله لعباده ، وفيه إنذار لهم وتحذير . وبعد ذلك يأتي تعريف للناس بربهم ، رب السموات والأرض وما بينهما وإثبات الوحدانية له وأنه هو المحيي والمميتُ ربّ الأولين والآخرين .

وقد سميت { سورة الدخان } لقوله تعالى : { فارتقبْ يوم تأتي السماء بدخان مبين ، يَغشى الناسَ ، هذا عذاب أليم } وذلك من علامات الساعة ، كما ورد في صحيح مسلم : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها والدخان . . . الخ " .

وتتحدث السورة عن الله ، الخالق المدبّر ، الحكيم المشرف على هذا الكون بالحفظ والرعاية ، ثم عن مصارع المكذّبين من الأمم السابقة ، تحذيرا لكفار قريش من أن يَنالهم مثلُها . وتأتي السورة من قصة فرعون وما حلّ به من الهلاك والدمار ، ثم تؤكد بآياتها المشرقة أن يوم القيامة هو موعدُ فرق الكفر والضلال جميعا ، وتصف ما ينال المهتدين المؤمنين من نعيم في جنات وعيون ، يَدْعون فيها بكل فاكهة آمنين ، كل ذلك فضل من الله العظيم الرحيم ، { ذلك هو الفوز العظيم } .

ثم تختم السورة كما بدئت بالحديث عن القرآن الكريم : { فإنما يسّرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } وبالتهديد الشديد للمكذبين المترفين . { فارتقبْ إنهم مرتقبون } وهكذا يتناسق البدء والختام .

حم : تقرأ هكذا حاميم : من الحروف الصوتية ، وقد تكلّمنا عن هذا الأسلوب والغرض منه .

   
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الدخان{[1]}

{[2]}مقصودها الإنذار من الهلكة لمن لم يقبل ما في الذكر الكريم{[3]} الحكيم من الخير والبركة رحمة جعلها بين عامة خلقه مشتركة ، وعلى ذلك دل اسمها{[4]} الدخان إذا تؤملت آياته وإفصاح ما {[5]}فيها وإشاراته{[6]} { بسم الله } الملك الجبار الواحد القهار{ الرحمن } الذي عم بنعمة{[7]} النذارة{ الرحيم } الذي [ خص-{[8]} ] أهل وداده برحمة البشارة . /{ حم } تقدمت الإشارة إلى شيء من أسرار أخواتها .

لما{[9]} ختمت الزخرف ببشارة باطنة ونذارة ظاهرة ، وكان ما بشر به سبحانه من علم العرب وسلامتهم من غوائل ما كانوا فيه مستبعدا ، افتتح هذا بمثل ذلك مقسما عليه .

{ حم }


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.