في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

36

وتوكيد آخر أكثر تفصيلا :

( ولمن انتصر بعد ظلمه ، فأولئك ما عليهم من سبيل . إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ، ويبغون في الأرض بغير الحق . أولئك لهم عذاب أليم ) . .

فالذي ينتصر بعد ظلمه ، ويجزي السيئة بالسيئة ، ولا يعتدي ، ليس عليه من جناح . وهو يزاول حقه المشروع . فما لأحد عليه من سلطان . ولا يجوز أن يقف في طريقه أحد . إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون الناس ، ويبغون في الأرض بغير الحق . فإن الأرض لا تصلح وفيها ظالم لا يقف له الناس ليكفوه ويمنعوه من ظلمه ؛ وفيها باغ يجور ولا يجد من يقاومه ويقتص منه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

{ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أي : انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه { فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } أي : لا حرج عليهم في ذلك .

ودل قوله : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ } وقوله : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أنه لا بد من إصابة البغي والظلم ووقوعه .

وأما إرادة البغي على الغير ، وإرادة ظلمه من غير أن يقع منه شيء ، فهذا لا يجازى بمثله ، وإنما يؤدب تأديبا يردعه عن قول أو فعل صدر منه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

قوله تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه } أي : بعد ظلم الظالم إياه ، { فأولئك } يعني المنتصرين ، { ما عليهم من سبيل } بعقوبة ومؤاخذة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولمن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه إياه "فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ "يقول: فأولئك المنتصرون منهم لا سبيل للمنتصر منهم عليهم بعقوبة ولا أذى، لأنهم انتصروا منهم بحقّ، ومن أخذ حقه ممن وجب ذلك له عليه، ولم يتعدّ، لم يظلم، فيكون عليه سبيل.

وقد اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك؛ فقال بعضهم: عني به كلّ منتصر ممن أساء إليه، مسلما كان المسيء أو كافرا...

وقال آخرون: بل عُنِي به الانتصار من أهل الشرك... والصواب من القول أن يقال: إنه معنيّ به كلّ منتصر من ظالمه، وأن الآية محكمة غير منسوخة للعلة التي بينت في الآية قبلها.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

عَلِمَ الله أن الكُلَّ من عباده لا يجد التحررَ من أحكام النَّفْس، ولا يتمكن من محاسن الخُلُق؛ فرخَّص لهم في المكافأة على سبيل العدل والقسط -وإنْ كان الأَوْلى بهم الصفح والعفو...

أحكام القرآن لإلكيا الهراسي 504 هـ :

يقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به، وقد عقبه بقوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، الآية [43]: وذلك محمول على الغفران عن غير المصر، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة ما قبله.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{من سبيل} يريد {من سبيل} حرج ولا سبيل حكم، وهذا إبلاغ في إباحة الانتصار.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

" ولمن انتصر بعد ظلمه "أي المسلم إذا انتصر من الكافر فلا سبيل إلى لومه، بل يحمد على ذلك مع الكافر. ولا لوم إن انتصر الظالم من المسلم، فالانتصار من الكافر حتم، ومن المسلم مباح، والعفو مندوب...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ولمن انتصر} أي سعى في نصر نفسه بجهده.

{بعد ظلمه} أي بعد ظلم الغير له وليس قاصد البعد عن حقه ولو استغرق انتصاره جميع زمان البعد.

ولما بين تعالى ما لذلك الناظر في مصالح العباد المنسلخ من خط نفسه إحساناً إلى عباد الله من الرتبة العليا، بين ما لهذا الذاب عن نفسه القاصد لشفاء صدره وذهاب غيظه، فقال رابطاً للجزاء بفاء السبب بياناً لقصور نظره على دفع الظلم عن نفسه، ويجوز كون {من} موصولة والفاء لما للموصول من شبه الشرط.

ولما عبر أولاً بالإفراد فكان ربما قصر الإذن على الواحد لئلا تعظم الفتنة، جمع إشارة إلى أن الفتنة إنما هي في إقرار الظلم لا في نصر المظلوم واحداً كان أو جماعة فقال: {فأولئك} أي المنتصرون لأجل دفع ظلم الظالم عنهم فقط.

{ما عليهم} وأكد بإثبات الجار فقال: {من سبيل} أي عقاب ولا عتاب...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

الذي ينتصر بعد ظلمه، ويجزي السيئة بالسيئة، ولا يعتدي، ليس عليه من جناح. وهو يزاول حقه المشروع. فما لأحد عليه من سلطان. ولا يجوز أن يقف في طريقه أحد. إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

معنى {بعد ظلمه} التنبيه على أن هذا الانتصار بعد أن تحقق أنهم ظُلموا: فإمّا في غير الحروب فمن يتوقع أن أحداً سيعتدي عليه ليس له أن يبادر أحداً بأذى، قبل أن يشرعَ في الاعتداء عليه ويقول: ظننت أنه يعتدي عليَّ فبادرتُه بالأذى اتقاء لاعتدائه المتوقع؛ لأن مثل هذا يثير التهارج والفساد، فنبه الله المسلمين على تجنبه مع عدوِّهم إن لم تكن بينهم حرب...

والمراد بالسبيل موجب المؤاخذة بالّلائمة بين القبائل واللمزِ بالعُدوان والتبعة في الآخرة على الفساد في الأرض بقتل المسالمين، سُمي بذلك سبيلاً على وجه الاستعارة لأنه أشبه الطريقَ في إيصاله إلى المطلوب، وكثر إطلاق ذلك حتى ساوى الحقيقة...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

الرابعة- قوله تعالى : " ولمن انتصر بعد ظلمه " أي المسلم إذا انتصر من الكافر فلا سبيل إلى لومه ، بل يحمد على ذلك مع الكافر . ولا لوم إن انتصر الظالم من المسلم ، فالانتصار من الكافر حتم ، ومن المسلم مباح ، والعفو مندوب .

الخامسة- في قوله تعالى : " فأولئك ما عليهم من سبيل " دليل على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه . وهذا ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون قصاصا في بدن يستحقه آدمي ، فلا حرج عليه إن استوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحكام ، لكن يزجره الإمام في تفوته بالقصاص لما فيه من الجرأة على سفك الدم . وإن كان حقه غير ثابت عند الحاكم فليس عليه فيما بينه وبين الله حرج ، وهو الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ ومعاقب . القسم الثاني : أن يكون حد الله تعالى لاحق لآدمي فيه كحد الزنى وقطع السرقة ، فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه ، وإن ثبت عند حاكم نظر ، فإن كان قطعا في سرقة سقط به الحد لزوال العضو المستحق قطعه ، ولم يجب عليه في ذلك حق لأن التعزير أدب ، وإن كان جلدا لم يسقط به الحد لتعديه مع بقاء محله فكان مأخوذا بحكمه . القسم الثالث : أن يكون حقا في مال ، فيجوز لصاحبه أن يغالب على حقه حتى يصل إليه إن كان ممن هو عالم به ، وإن كان غير عالم نظر ، فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له الاستسرار بأخذه . وإن كان لا يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه من عدم بينة تشهد له ففي جواز استسراره بأخذه مذهبان : أحدهما : جوازه ، وهو قول مالك والشافعي . الثاني : المنع ، وهو قول أبي حنيفة .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

{ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } ، لأنه لما قاتلته الفئة الباغية قاتلها انتصارا للحق ، وانظر كيف سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقاتلين لعلي الفئة الباغية حسبما ورد في الحديث الصحيح أنه قال لعمار بن ياسر : " تقتلك الفئة الباغية " فذلك هو البغي الذي أصابه وقوله : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } إشارة إلى فعل الحسن بن علي حين بايع معاوية ، وأسقط حق نفسه ليصلح أحوال المسلمين ، ويحقن دماءهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسن " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " .

وقوله : { ولمن انتصر بعد ظلمه } ، فأولئك ما عليهم من سبيل إشارة إلى انتصار الحسين بعد موت الحسن ، وطلبه للخلافة وانتصاره من بني أمية .

وقوله : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس } إشارة إلى بني أمية ، فإنهم استطالوا على الناس كما جاء في الحديث عنهم ، " أنهم جعلوا عباد الله حولا ومال الله دولا ويكفيك من ظلمهم أنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب على منابرهم " ، وقوله : { ولمن صبر وغفر } الآية : إشارة إلى صبر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على ما نالهم من الضر والذل ، طول مدة بني أمية { وجزاء سيئة سيئة مثلها } سمى العقوبة باسم الذنب وجعلها مثلها تحرزا من الزيادة عليها .

{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله } هذا يدل على أن العفو عن الظلمة أفضل من الانتصار ، لأنه ضمن الأجر في العفو ، وذكر الانتصار بلفظ الإباحة في قوله : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } وقيل : إن الانتصار أفضل ، والأول أصح فإن قيل : كيف ذكر الانتصار في صفات المدح في قوله : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } والمباح لا مدح فيه ولا ذم ، فالجواب : من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن المباح قد يمدح لأنه قيام بحق لا بباطل .

والثاني : أن مدح الانتصار لكونه مكان بعد الظلم تحرزا ممن بدأ بالظلم فكأن المدح إنما هو بترك الابتداء بالظلم .

والثالث : إن كانت الإشارة بذلك إلى علي بن أبي طالب حسبما ذكرنا فانتصاره محمود ، لأن قتال أهل البغي واجب لقوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي } [ الحجرات : 9 ] .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ} (41)

ولما كان هذا ساداً لباب الانتصار لما يشعر به من أنه ظلم على كل ، قال مؤكداً نفياً لهذا الإشعار : { ولمن انتصر } أي سعى في نصر نفسه بجهده { بعد ظلمه } أي بعد ظلم الغير له وليس قاصد البعد عن حقه ولو استغرق انتصاره جميع زمان البعد .

ولما بين تعالى ما لذلك الناظر في مصالح العباد المنسلخ من خط نفسه إحساناً إلى عباد الله من الرتبة العليا ، بين ما لهذا الذاب عن نفسه القاصد لشفاء صدره وذهاب غيظه ، فقال رابطاً للجزاء بفاء السبب بياناً لقصور نظره على دفع الظلم عن نفسه ، ويجوز كون { من } موصولة والفاء لما للموصول من شبه الشرط .

ولما عبر أولاً بالإفراد فكان ربما قصر الإذن على الواحد لئلا تعظم الفتنة ، جمع إشارة إلى أن الفتنة إنما هي في إقرار الظلم لا في نصر المظلوم واحداً كان أو جماعة فقال : { فأولئك } أي المنتصرون لأجل دفع ظلم الظالم عنهم فقط { ما عليهم } وأكد بإثبات الجار فقال : { من سبيل * } أي عقاب ولا عتاب ، وروى النسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما علمت حتى دخلت عليَّ زينب رضي الله عنها بغير إذن وهي غضبى ثم أقبلت عليّ فأعرضت عنها حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : دونك فانتصري ، فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فيها ما ترد عليّ شيئاً ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه " .