في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

ثم يكمل دعاء نوح الأخير ؛ وابتهاله إلى ربه في نهاية المطاف :

( وقال نوح : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا . رب اغفر لي ولوالدي ، ولمن دخل بيتي مؤمنا ، وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) . .

فقد ألهم قلب نوح أن الأرض تحتاج إلى غسل يطهر وجهها من الشر العارم الخالص الذي انتهى إليه القوم في زمانه . وأحيانا لا يصلح أي علاج آخر غير تطهير وجه الأرض من الظالمين ، لأن وجودهم يجمد الدعوة إلى الله نهائيا ، ويحول بينها وبين الوصول إلى قلوب الآخرين . وهي الحقيقة التي عبر عنها نوح ، وهو يطلب الإجهاز على أولئك الظالمين إجهازا كاملا لا يبقي منهم ديارا - أي صاحب ديار - فقال : ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ) . . ولفظة( عبادك )توحي بأنهم المؤمنون . فهي تجيء في السياق القرآني في مثل هذا الموضع بهذا المعنى . وذلك بفتنتهم عن عقيدتهم بالقوة الغاشمة ، أو بفتنة قلوبهم بما ترى من سلطان الظالمين وتركهم من الله في عافية !

ثم إنهم يوجدون بيئة وجوا يولد فيها الكفار ، وتوحي بالكفر من الناشئة الصغار ، بما يطبعهم به الوسط الذي ينشئه الظالمون ، فلا توجد فرصة لترى الناشئة النور ، من خلال ما تغمرهم به البيئة الضالة التي صنعوها . وهي الحقيقة التي أشار إليها قول النبي الكريم نوح عليه السلام ، وحكاها عنه القرآن : ( ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) . . فهم يطلقون في جو الجماعة أباطيل وأضاليل ، وينشئون عادات وأوضاعا ونظما وتقاليد ، ينشأ معها المواليد فجارا كفارا ، كما قال نوح . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

{ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } يدور على وجه الأرض .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

{ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً } أحداً يدور في الأرض فيذهب ويجيء ، من الدوران ، وقال القتيبي : إن أصله من الدار ، أي : نازل دار .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني أحدا، وذلك أن الله تبارك وتعالى {وأوحي إلى نوح} صلى الله عليه وسلم {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} [هود:36] وذلك أن الله تعالى كان أخرج كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم، فلما أخبر بذلك دعا عليهم، قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا}

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني بالدّيار من يدور في الأرض، فيذهب ويجيء فيها... والعرب تقول: ما بها ديار...تعني بذلك كله: ما بها أحد.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

لا تذر على الأرض من الكافرين ساكن دار. وإذا لم يبق ساكن دار، فقد ماتوا جميعا، فكأنه يقول: لا تذر منهم أحدا.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

دَعَا نُوحٌ عَلَى الْكَافِرِينَ أَجْمَعِينَ، وَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَنْ تَحَزَّبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّبَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ هَذَا أَصْلًا فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْجُمْلَةِ، فَأَمَّا كَافِرٌ مُعَيَّنٌ لَمْ تُعْلَمْ خَاتِمَتُهُ فَلَا يُدْعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَآلَهُ عِنْدَنَا مَجْهُولٌ، وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومَ الْخَاتِمَةِ لِلسَّعَادَةِ؛ وَإِنَّمَا خَصَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الدُّعَاءَ عَلَى عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأَصْحَابِهِ لِعِلْمِهِ بِمَآلِهِمْ، وَمَا كُشِفَ لَهُ من الْغِطَاء عَنْ حَالِهِمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

فاستجاب الله له، فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه... ونجى الله أصحاب السفينة الذين آمنوا مع نوح، عليه السلام، وهم الذين أمره الله بحملهم معه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أتم الخبر عن إغراقهم، وقدمه للاهتمام بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم في إجابة دعوته تحذيراً للعرب أن يخرجوا رسولهم صلى الله عليه وسلم فيخرجوه إلى مثل ذلك، عطف على قول نوح عليه السلام من أوله قوله عندما أخبره تعالى أنهم مغرقون وأنه لا يؤمن منهم إلا من قد آمن بعدما طال بلاؤه بهم

وكانت صيغة العموم ليست بنص في أفرادها أبداً، استنجازاً لوعده وتصريحاً بمراده: {وقال نوح} وأسقط الأداة كما هي عادة أهل الحضرة فقال: {رب لا تذر} أي تترك بوجه من الوجوه أصلاً ولو على أدنى الوجوه {على الأرض} أي كلها من مشرقها إلى مغربها وسهلها وجبلها ووهدها {من الكافرين} أي الراسخين في الكفر الذي هو كان لهم جبلة وطبعاً {دياراً} أي أحداً يدور فيها، وهو من ألفاظ العموم التي تستعمل في النفي العام فيقال من الدور أو الدار لا فعّال، وإلا لكان دواراً، ويجوز -وهو أقرب- أن يكون هذا الدعاء عند ركوبه السفينة وابتداء الإغراق فيهم، يريد به العموم كراهية أن يبقى أحد منهم على ذروة جبل أو نحوه، لا أصل الإغراق، وأن يكون معنى ما قبله الحكم بإغراقهم وتحتم القضاء به أو الشروع فيه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يكمل دعاء نوح الأخير؛ وابتهاله إلى ربه في نهاية المطاف: (وقال نوح: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا. رب اغفر لي ولوالدي، ولمن دخل بيتي مؤمنا، وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا).. فقد ألهم قلب نوح أن الأرض تحتاج إلى غسل يطهر وجهها من الشر العارم الخالص الذي انتهى إليه القوم في زمانه. وأحيانا لا يصلح أي علاج آخر غير تطهير وجه الأرض من الظالمين، لأن وجودهم يجمد الدعوة إلى الله نهائيا، ويحول بينها وبين الوصول إلى قلوب الآخرين. وهي الحقيقة التي عبر عنها نوح، وهو يطلب الإجهاز على أولئك الظالمين إجهازا كاملا لا يبقي منهم ديارا -أي صاحب ديار- فقال: (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك).. ولفظة (عبادك) توحي بأنهم المؤمنون. فهي تجيء في السياق القرآني في مثل هذا الموضع بهذا المعنى. وذلك بفتنتهم عن عقيدتهم بالقوة الغاشمة، أو بفتنة قلوبهم بما ترى من سلطان الظالمين وتركهم من الله في عافية! ثم إنهم يوجدون بيئة وجوا يولد فيها الكفار، وتوحي بالكفر من الناشئة الصغار، بما يطبعهم به الوسط الذي ينشئه الظالمون، فلا توجد فرصة لترى الناشئة النور، من خلال ما تغمرهم به البيئة الضالة التي صنعوها. وهي الحقيقة التي أشار إليها قول النبي الكريم نوح عليه السلام، وحكاها عنه القرآن: (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا).. فهم يطلقون في جو الجماعة أباطيل وأضاليل، وينشئون عادات وأوضاعا ونظما وتقاليد، ينشأ معها المواليد فجارا كفارا، كما قال نوح..

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

أي: شخصاً حيّاً يعيش في داره ليتحرك فيها في ساحة الحياة، فلا بدّ من إهلاك كل الجيل القديم الذي تربّى على الكفر وأصرّ عليه واستغرق فيه، حتى أصبح الكفر جزءاً من ذاته، لينشأ جيلٌ جديدٌ على الإيمان وتقوى الله من أجل أن يبني الحياة بناءً قائماً على الحق والخير والعدل. ولم ينطلق نوح في هذا الدعاء المدمّر من عقدةٍ نفسية مستحكمةٍ في داخله، كما يفعل البعض من الناس عندما يواجهون التحدي والتمرّد والعناد من الآخرين الذين يرتبطون بهم من خلال الدعوة، أو من خلال أشياء أخرى، بل انطلق من خلال دراسةٍ طويلةٍ شاملةٍ عميقةٍ، استنفد فيها كل التجارب، فلم يعد هناك أيّ أملٍ في هدايتهم، بل أصبحت المسألة مسألة الخطر الذي يمثله وجود هؤلاء على الأجيال القادمة من أولادهم،

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

{ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } أي نازل دار أي أحدا

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

فيه أربع مسائل :

قوله تعالى : " وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين "

الأولى- دعا عليهم حين يئس من أتباعهم إياه . وقال قتادة : دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه : " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن{[15409]} " [ هود : 36 ] فأجاب الله دعوته وأغرق أمته ، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم منزل الكتاب سريع الحساب{[15410]} وهازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم ) . وقيل : سبب دعائه أن رجلا من قومه حمل ولدا صغيرا على كتفه فمر بنوح فقال : ( احذر هذا فإنه يضلك ) . فقال : يا أبت أنزلني ، فأنزله فرماه فشجه ، فحينئذ غضب ودعا عليهم . وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد : إنما قال هذا حينما أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم . وأعقم أرحام النساء وأصلاب الرجال قبل العذاب بسبعين سنة . وقيل : بأربعين . قال قتادة : ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب . وقال الحسن وأبو العالية : لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذابا من الله لهم وعدلا فيهم ، ولكن الله أهلك أطفالهم وذريتهم بغير عذاب ، ثم أهلكهم بالعذاب ، بدليل قوله تعالى : " وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم{[15411]} " [ الفرقان : 37 ] .

الثانية- قال ابن العربي : " دعا نوح على الكافرين أجمعين ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على من تحزب على المؤمنين وألب عليهم . وكان هذا أصلا في الدعاء على الكافرين في الجملة ، فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه ؛ لأن مآله عندنا مجهول ، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة . وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء عتبة وشيبة وأصحابهما ؛ لعلمه بمآلهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم . والله أعلم " .

قلت : قد مضت هذه المسألة مجودة في سورة " البقرة{[15412]} " والحمد لله .

الثالثة- قال ابن العربي : " إن قيل لم جعل نوح دعوته على قومه سببا لتوقفه عن طلب الشفاعة للخلق من الله في الآخرة ؟ قلنا : قال الناس في ذلك وجهان : أحدهما : أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة ، والشفاعة تكون عن رضا ورقة ، فخاف أن يعاتب ويقال : دعوت على الكفار بالأمس وتشفع لهم اليوم . الثاني : أنه دعا غضبا بغير نص ولا إذن صريح في ذلك ، فخاف الدَّرَك{[15413]} فيه يوم القيامة ، كما قال موسى عليه السلام : ( إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ) . قال : وبهذا أقول " .

قلت : وإن كان لم يؤمر بالدعاء نصا فقد قيل له : " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " [ هود : 36 ] . فأعلم عواقبهم فدعا عليهم بالهلاك ، كما دعا نبينا صلي الله عليه وسلم على شيبة وعتبة ونظرائهم فقال : ( اللهم عليك بهم ) لما أعلم عواقبهم ، وعلى هذا يكون فيه معنى الأمر بالدعاء . والله أعلم .

الرابعة- قوله تعالى : " ديارا " أي من يسكن الديار ، قاله السدي . وأصله دَيْوار على فَيْعال من دار يدور ، فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى . مثل القيّام ، أصله قَيْوام . ولو كان فعالا لكان دوارا . وقال القتبي : أصله من الدار ، أي نازل بالدار . يقال : ما بالدار ديار ، أي أحد . وقيل : الديار صاحب الدار .


[15409]:راجع جـ 9 ص 29.
[15410]:الزيادة عن ابن العربي.
[15411]:راجع جـ 13 ص 31.
[15412]:راجع جـ 4 ص 188.
[15413]:الدرك (يسكن ويحرك): التبعة.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا} (26)

قوله : { وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا } ديّارا ، من الأسماء المستعملة في النفي العام . يقال : ما بالدار ديّار وديّور . كقيام وقيّوم . وهو قول الزمخشري {[4648]} . والمعنى : لا تترك على وجه الأرض من الكافرين أحدا ولا ديارا .


[4648]:الدر المصون جـ 10 ص 477.