ولم يكن حادث بني النضير هو الأول من نوعه ، فقد سبقه حادث بني قينقاع الذي تشير إليه الآية بعد ذلك غالبا :
( كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ) . .
ووقعة بني قينقاع كانت بعد غزوة بدر وقبل غزوة أحد . وكان بينهم وبين رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عهد . فلما انتصر المسلمون على المشركين في بدر كره اليهود ذلك ، وحقدوا على المسلمين أن ينالوا هذا الانتصار
العظيم ، وخافوا أن يؤثر هذا على موقفهم في المدينة فيضعف من مركزهم بقدر ما يقوي من مركز المسلمين . وبلغ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ما يتهامسون به وما يفكرون فيه من الشر ، فذكرهم العهد وحذرهم مغبة هذ الاتجاه . فردوا ردا غليظا مغيظا فيه تهديد . قالوا : يا محمد . إنك لترى أنا قومك ! لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة . إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس !
ثم أخذوا يتحرشون بالمسلمين ؛ وذكرت الروايات من هذا أن امرأة من العرب قدمت ببضاعة لها فباعتها بسوق بني قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوأتها ، فضحكوا بها ، فصاحت . فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله . وشدت يهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين . فغضب المسلمون ، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع .
وحاصرهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى نزلوا على حكمه . فقام رأس المنافقين عبدالله بن أبي ابن سلول يجادل رسول الله عنهم ، باسم ما كان بينهم وبين الخزرج من عهد ! ولكن الحقيقة كانت هي هذه الصلة بين المنافقين وإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ! فرضي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في النهاية أن يجلوا عن المدينة ، وأن يأخذوا معهم أموالهم ومتاعهم - إلا السلاح - ورحلوا إلى الشام .
فهذه هي الواقعة التي يشير إليها القرآن ويقيس عليها حال بني النضير وحقيقتهم . . وحال المنافقين مع هؤلاء وهؤلاء !
وعدم نصر من وعدهم بالمعاونة { كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا } وهم كفار قريش الذين زين لهم الشيطان أعمالهم ، وقال : { لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ [ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ ] } الآية .
فغرتهم أنفسهم ، وغرهم من غرهم ، الذين لم ينفعوهم ، ولم يدفعوا عنهم العذاب ، حتى أتوا " بدرا " بفخرهم وخيلائهم ، ظانين أنهم مدركون برسول الله والمؤمنين أمانيهم .
فنصر الله رسوله والمؤمنين عليهم ، فقتلوا كبارهم وصناديدهم ، وأسروا من أسروا منهم ، وفر من فر ، وذاقوا بذلك وبال أمرهم وعاقبة شركهم وبغيهم ، هذا في الدنيا ، { وَلَهُمْ } في الآخرة عذاب النار .
قال ابن عباس : يعني به قينقاع ، أمكن الله منهم قبل بني النضير . وقال قتادة : يعني بني النضير ، أمكن الله منهم قبل قريظة . مجاهد : يعني كفار قريش يوم بدر . وقيل : هو عام في كل من انتقم منه على كفره قبل بني الضير من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم . ومعنى { وبال } جزاء كفرهم . ومن قال : هم بنو قريظة ، جعل " وبال أمرهم " نزولهم على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم بقتل المقاتل وسبي الذرية . وهو قول الضحاك . ومن قال المراد بنو النضير قال : " وبال أمرهم " الجلاء والنفي . وكان بين النضير وقريظة سنتان . وكانت وقعة بدر قبل غزوة بني النضير بستة أشهر ، فلذلك قال : " قريبا " وقد قال قوم : غزوة بني النضير بعد وقعة أحد . { ولهم عذاب أليم{[14862]} } في الآخرة .
{ كمثل الذين من قبلهم قريبا } أي : هؤلاء اليهود كمثل الذين من قبلهم يعني يهود بني قينقاع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلاهم عن المدينة قبل بني النضير فكانوا أمثالهم وقيل : يعني أهل بدر الكفار ، فإنهم قبلهم ومثلا لهم في أن غلبوا وقهروا والأول أرجح لأن قوله : { قريبا } يقتضي أنهم كانوا قبلهم بمدة يسيرة وذلك أوقع على بني قينقاع وأيضا فإن تمثيل بني النضير ببني قينقاع أليق لأنهم يهود مثلهم ، وأخرجوا من ديارهم كما فعل بهم وذلك هو المراد بقوله : { ذاقوا وبال أمرهم } وقريبا ظرف زمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.