في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمَ لِتَرۡكَبُواْ مِنۡهَا وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (79)

78

ثم يوجه طلاب الخوارق إلى آيات الله الحاضرة التي ينسون وجودها بطول الألفة . وهي لو تدبروها بعض هذه الخوارق التي يطلبون وهي شاهدة كذلك بالألوهية لبطلان أي ادعاء بأن أحداً غير الله خلقها ، وأي ادعاء كذلك بأنها خلقت بلا خالق مدبر مريد :

( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ، ومنها تأكلون . ولكم فيها منافع ، ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ، وعليها وعلى الفلك تحملون . ويريكم آياته ، فأي آيات الله تنكرون ? ) . .

وخلق هذه الأنعام ابتداء آية خارقة كخلق الإنسان فبث الحياة فيها وتركيبها وتصويرها كلها خوارق ، لا يتطاول الإنسان إلى ادعائها ! وتذليل هذه الأنعام وتسخيرها للإنسان ، وفيها ما هو أضخم منه جسماً وأشد منه قوة ، وهو جعلها : ( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ، ومنها تأكلون . . . ) . وهذه لا يستحق الاحترام أن يقول قائل : إنها هكذا وجدت والسلام ! وإنها ليست خارقة معجزة بالقياس إلى الإنسان ! وإنها لا تدل على الخالق الذي أنشأها وسخرها بما أودعها من خصائص وأودع الإنسان ! ومنطق الفطرة يقر بغير هذا الجدال والمراء .

ويذكرهم بما في هذه الآيات الخوارق من نعم كبار :

( لتركبوا منها ، ومنها تأكلون ) ، ( ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمَ لِتَرۡكَبُواْ مِنۡهَا وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (79)

منافع الأنعام

{ الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون 79 ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون 80 ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون 81 }

المفردات :

الأنعام : الإبل والبقر والغنم والمعز .

79

التفسير :

79-{ الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون } .

يطلق بعض المفسرين الأنعام على الإبل وحدها ، ففيها منافع متعددة للركوب والأكل والاستفادة بأوبارها ، وحمل الأثقال عليها ، حتى قالوا : ( الجمل سفينة الصحراء ) ، وقد خلق الله الجمل حمولا صبورا ، يتحمل الجوع والعطش والمشي على الرمال في الصحراء .

وذكر بعض المفسرين أن الأنعام تطلق على الإبل والبقر والغنم والمعز ، وقد امتن الله بها علينا في الآيات من 142-144 من سورة الأنعام .

حيث قال تعالى : { ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين . . . } ( الأنعام : 143 ) .

وقال سبحانه : { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين . . . } ( الأنعام : 144 ) .

وقريب من ذلك ما ورد في قوله تعالى : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم } . ( النحل : 5-7 ) .

لقد كانت هذه الإبل هي الوسيلة الوحيدة في ذلك الوقت للانتقال من مفاوز الصحراء ، ولا تزال بعض الطرق الضيقة إلى الآن وكذلك المفاوز الرملية ، والمعابر الجبلية وأشباهها ، تعتمد على بعض الحيوانات في ارتيادها .

وقد أشار القرآن إلى استخدام الآلة في السير وفي غيره ، وذلك في قوله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون } . ( النحل : 8 )

عود إلى التفسير :

{ الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون } .

لقد سخر الله لكم الأنعام بجميع أصنافها ، حتى تستفيدوا بركوب بعضها ، والكل من بعضها ، فالإبل تُؤكل وتُركب ويُشرب لبنها ، وتُحمل عليها الأمتعة ، والبقر تؤكل ويشرب لبنها وينتفع بها في الحرث والسقي ، والغنم تؤكل ويشرب لبنها ، والجميع تتناسل وتجز أصوافها وأشعارها وأوبارها ، ويستفاد بذلك في الأثاث والثياب والأمتعة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمَ لِتَرۡكَبُواْ مِنۡهَا وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (79)

ولما كان المبطلون ليسوا أشد ولا أقوى من بعض الحيوانات العجم ، دل على ما أخبر به من نافذ نصرته فيهم بقوله مذكراً لهم بنعمته مستعطفاً إلى طاعته دالاً على التوحيد بعد تليينهم بالوعيد مظهراً الاسم الجامع إشارة إلى أن ما في هذه الآية من الدلالات التي لا تحصى : { الله } أي الملك الأعظم { الذي جعل لكم } لا غيره { الأنعام } أي الأزواج الثمانية بالتذليل والتسخير { لتركبوا منها } وهي الإبل مع قوتها ونفرتها ، والتعبير باللام في الركوب مطلقاً ثم فيه مقيداً ببلوغ الأماكن الشاسعة إشارة إلى أن ذلك هو المقصود منها بالذات ، وهو الذي اقتضى تركيبها على ما هي عليه ، فنشأ منه بقية المنافع فكانت تابعة . ولما كان الاقتيات منها - في عظيم نفعه وكثرته وشهوته - بحيث لا يناسبه غيره ، عد الغير عدماً فقال تعالى : { منها } أي من الأنعام كلها { تأكلون * } بتقديم الجار .