44- { يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير } .
يوم تتصدع الأرض ، وتتشقق عن أجسادهم ، فيقومون لفصل القضاء ، ويسيرون مسرعين ، ذلك الحشر والجمع هين يسير علينا ، فلا يعجزنا شيء ، فقدرتنا لا حدود لها .
{ إن الله على كل شيء قدير } . ( البقرة : 20 ) .
أي : مع شدة التفرق ، وتناثر الأشلاء ، وتمزق بعض الناس ، وتحلل البعض إلى تراب ، كل ذلك جمعه وبعثه وحسابه وجزاؤه هين يسير على الله .
قال تعالى : { كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين } . ( الأنبياء : 104 ) .
وانشقاق الأرض وإلقاء ما فيها ورد في القرآن الكريم مرارا على أنه من مظاهر القيامة وأهوالها .
قال تعالى : { وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت } . ( الانشقاق : 3 ، 4 ) .
{ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ( 1 ) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ( 2 ) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ( 3 ) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ( 4 ) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ( 5 ) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ( 6 ) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ( 7 ) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ( 8 ) }
وقراءة حفص : { تشقق } . أي : تنشق الأرض ، ويخرج الموتى من بطونها ، وتعود الحياة إليهم ، ثم يذهبون مسرعين لفصل القضاء في شئونهم ، وفي قراءة أخرى بتشديد الشين : تشقّق ، أي : يشتد تشققها واضطرابها وزلزالها ، ومن مظاهر القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وانشقاق السماء على غلظها ، وتعلق الملائكة بأرجائها . وسير الجبال ، واستواء أرض المحشر فتصبح أرضا مستوية ، لا ارتفاع فيها ولا انخفاض .
قال تعالى : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا * يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } . ( طه : 105- 108 ) .
وقال سبحانه : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار } . ( إبراهيم : 48 ) .
وقال عز شأنه : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } . ( الزمر : 27 ) .
وكل ذلك يدل على نهاية هذا الكون ، وتبدل ما فيه ، وانتهاء حياته ، وتغيير نواميس الكون بنواميس جديدة وضعها الله لهذه الحياة الآخرة ، فتنطفئ جذوة الشمس ، ويصيب القمر الخسوف ، وتنكدر النجوم ، وتسجَّر البحار فتصبح نار الله الكبرى ، ويمسك الله تعالى الأرض بشماله ، والسماوات بيمينه -وكلتا يديه يمين –
ويقول : أنا الملك ، أنا الديان ، أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟
فذلك قوله تعالى : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } . ( الزمر : 67 ) .
{ يوم تشقق الأرض عنهم سراعا } : أي يخرجون من قبورهم مسرعين بعد تشقق القبور عنهم .
{ ذلك حشر علينا يسير } : أي ذلك حشر للناس وجمع لهم في موقف الحساب يسير سهل علينا .
وقوله { يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً } أي يخرجون مسرعين ذلك المذكور من تشقق الأرض وخروجهم مسرعين حشر علينا لهم يسير أي سهل لا صعوبة فيه .
ولما تحقق بذلك أمر البعث غاية التحقق ، صور خروجهم فيه فقال معلقاً بما ختم به الابتداء مما قبله زيادة في تفخيمه وتعظيمه وتبجيله : { يوم تشقق الأرض } وعبر بفعل المطاوعة لاقتضاء الحال له ، وحذف تاء المطاوعة إشارة إلى سهولة الفعل وسرعته { عنهم } أي مجاوزة لهم بعد أن كانوا في بطنها فيخرجون منها أحياء كما كانوا على ظهرها أحياء ، حال كونهم { سراعاً } إلى إجابة مناديها ، وأشا إلى عظمه بقوله : { ذلك } أي الإخراج العظيم جداً { حشر } أي جمع بكره ، وزاد في بيان عظمة هذا الأمر بدلالته على اختصاصه بتقديم الجار فقال : { علينا } أي خاصة { يسير * } فكيف يتوقف عاقل فيه فضلاً عن أن ينكره ، وأما غيرنا فلا يمكنه ذلك بوجه . انتهى .