شكوى نوح إلى ربه سبحانه وتعالى
{ قال نوح رب إنهم عصوني واتّبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا 21 ومكروا مكرا كبّارا 22 وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا 23 وقد أضلّوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا 24 }
21 ، 22- قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله ، وولده إلا خسارا* ومكروا مكرا كبّارا .
كرّر نوح شكواه إلى الله الخبير العليم . فقال :
رب إنهم عصوني . أي : خالفوا أمري ، وأعرضوا عن رسالتي ، واتبعوا عمالقة الكفر الذين غرّهم المال والولد والجاه ، فتركوا الرشاد والإيمان ، وسلكوا طريق الكفر والخسران .
دبّروا الكيد لإغراء البسطاء والدهماء من العامة ، بالكيد واستمرار التوصية لهم بالابتعاد عن نوح ، والاستمرار على عبادة الأصنام .
كما يقول الضعفاء لهؤلاء الكبراء المضلّلين يوم القيامة : بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا . . . ( سبأ : 33 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ومكروا} مكر الكبراء والقادة {مكرا كبارا} يقول قالوا قولا عظيما.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: إنهم يمكرون ما يمكرون بألسنتهم حين كانوا يدعونهم إلى الكفر والصد عن سبيل الله، فكنى بالمكر عما قالوه بألسنتهم، فكان ذلك مكرا كبّارا أي قولا عظيما. وجائز أن يكون على حقيقة المكر، وهو أن رؤساؤهم مكروا بأتباعهم حين قالوا: إن هؤلاء لو كانوا أحق بالله تعالى منا لكانوا هم الذين يوسع عليهم، ويضيق علينا، فإذا وسّع علينا ثبت أنا نحن الأولياء والأصفياء دون غيرنا. وهذا منهم مكر عظيم لأنه يأخذ قلوب أولئك فيصدهم عن سبيل الله تعالى.
وجائز أن يكون مكرهم ما ذكر أنهم كانوا يأتون بأولادهم الصغار إلى نوح عليه السلام ويقولون لهم: إياكم وإتباع هذا فإنه ضال مضل، فكان هذا مكرهم بصغارهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالمكر: الفتل بالحيلة الخفية إلى خلاف الجهة الموافقة بما فيها من المضرة.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
أفسدوا في الأرض فسادا عظيما بالكفر وتكذيب الرسل.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
الماكرون: هم الرؤساء، ومكرهم: احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح، وتحريش الناس على أذاه، وصدّهم عن الميل إليه والاستماع منه.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
والمعنى في قوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} أي: باتباعهم في تسويلهم لهم بأنهم على الحق والهدى، كما يقولون لهم يوم القيامة: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} [سبأ: 33] ولهذا قال هاهنا: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمكر: إخفاء العمل، أو الرأي الذي يراد به ضر الغير، أي مكروا بنوح والذين آمنوا معه بإضمار الكيد لهم حتى يقعوا في الضر. قيل: كانوا يدبِّرون الحيلة على قتل نوح وتحْريش الناس على أذاه وأذى أتْبَاعه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ يضيف في قوله تعالى: (ومكروا مكراً كبّاراً). «كبّار» صيغة مبالغة من الكبر، وذكر بصيغة النكرة، ويشير إلى أنّهم كانوا يضعون خططاً شيطانية واسعة لتضليل الناس، ورفض دعوة نوح (عليه السلام)، ومن المحتمل أن يكون عبادة الأصنام واحدة من هذه الخطط والأساليب، وذلك طبقاً للرّوايات التي تشير إلى عدم وجود عبادة الأصنام قبل عصر نوح (عليه السلام) وأن قوم نوح هم الذين أوجدوها، وذكر أنّ في المدّة الزمنية بين آدم ونوح (عليهما السلام) كان هناك أناس صالحون أحبّهم الناس، ولكن الشيطان «أو الأشخاص الشيطانيين» عمد إلى استغلال هذه العلاقة، وترغّبهم في صنع تماثيل أُولئك الصالحين بحجّة تقديسهم وإجلالهم، وبعد مضي الزمن نسيت الأجيال هذه العلاقة التاريخية، وتصورت أنّ هذه التماثل هي موجودات محترمة ونافعة يجب عبادتها، وهكذا شُغلوا بعبادة الأصنام، وعمد الظالمون والمستكبرون إلى إغفال الناس وتكبيلهم بحبائل الغفلة، وهكذا تحقق المكر الكبير.
أي كبيرا عظيما . يقال : كبير وكبار وكبار ، مثل عجيب وعجاب وعجاب بمعنى ، ومثله طويل وطوال وطوال . يقال : رجل حسن وحسان ، وجميل وجمال ، وقراء للقارئ ، ووضاء للوضيء . وأنشد ابن السكيت :
بيضاءُ تصطاد القلوب{[15394]} وتَسْتَبِي *** بالحسن قلب المُسْلِمِ القُرّاء
والمرء يُلْحِقُهُ بفتيان النَّدَى *** خُلُقُ الكريم وليسَ بالوُضَّاءِ
وقال المبرد : " كبارا " ( بالتشديد ) للمبالغة . وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد " كبارا " بالتخفيف . واختلف في مكرهم ما هو ؟ فقيل : تحريشهم سفلتهم على قتل نوح . وقيل : هو تعزيرهم الناس بما أوتوا من الدنيا والولد ، حتى قالت الضعفة : لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم . وقال الكلبي : هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد . وقيل : مكرهم كفرهم . وقال مقاتل : هو قول كبرائهم لأتباعهم : " لا تذرن ألهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " .
ولما كانت كثرة الرؤساء قوة أخرى إلى قوتهم بمتاع الدنيا ، وكان التقدير : فأمرتهم بالإيمان فأبوا وأمروهم{[68779]} بالكفر فانقادوا لهم{[68780]} ، عطف عليه{[68781]} مبيناً لكثرتهم بضمير الجمع العائد على " من " عاطفاً على{[68782]} " لم يزده " المفردة الضمير للفظ جامعاً له للمعنى لتجمع العبارة الحكم على المفرد والجمع ، فيكون أدل شيء على المراد منها فقال : { ومكروا } أي هؤلاء الرؤساء في تنفير الناس عني{[68783]} - وأكد الفعل بالمصدر دلالة على قوته{[68784]} فقال : { مكراً } وزاده تأكيداً بصيغة هي النهاية في المبالغة فقال : { كباراً * } فإنه أبلغ من كبار المخفف الأبلغ من كبير ، فلم يدعوا أحداً منهم بذلك المكر{[68785]} يتبعني